قلت ذكر العلماء عن هذا السؤال أجوبة :
أحدها : أن يوسف لما أظهر لأخيه أنه أخوه قال لست أفارقك قال لا سبيل إلى ذلك إلا بتدبير حيلة أنسبك فيها إلى ما يليق قال رضيت بذلك فعلى هذا التقدير لم يتألم قلبه بسبب هذا الكلام بل قد رضي به فلا يكون ذنباً.
الثاني : أن يكون المعنى إنكم لسارقون ليوسف من أبيه إلا أنهم ما أظهروا هذا الكلام فهو من المعاريض وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.
الثالث : يحتمل أن يكون المنادي ربما قال ذلك النداء على سبيل الاستفهام وعلى هذا التقدير لا يكون كذباً.
الرابع : ليس في القرآن ما يدل على أنهم قالوا ذلك بأمر يوسف وهو الأقرب إلى ظاهر الحال لأنهم طلبوا السقاية فلم يجدوها ولم يكن هناك أحد غيرهم وغلب على ظنهم أنهم هم الذين أخذوها فقالوا ذلك بناء على غلبة ظنهم ﴿ قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون ﴾ قال أصحاب الأخبار لما وصل الرسل إلى إخوة يوسف قالوا لهم ألم نكرمكم ونحسن ضيافتكم ونوف إليكم الكيل ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم قالوا بلى وما ذاك قالوا فقدنا سقاية الملك ولا نتهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى قالوا وأقبلوا عليهم أي عطفوا على المؤذن وأصحابه ماذا أي ما الذي تفقدون والفقدان ضد الوجود ﴿ قالوا ﴾ يعني المؤذن وأصحابه ﴿ نفقد صواع الملك ﴾ الصاع الإناء الذي يكال به وجمعه أصوع والصواع لغة فيه وجمعه صيعان ﴿ ولمن جاء به ﴾ يعني بالصواع ﴿ حمل بعير ﴾ يعني من الطعام ﴿ وأنا به زعيم ﴾ أي كفيل قال الكلبي الزعيم هو الكفيل بلسان أهل اليمن وهذه الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم وقد حكم رسول الله ( ﷺ ) بها في قوله
" الحميل غارم " والحميل الكفيل.
فإن قلت كيف تصح هذه الكفالة مع أن السارق لا يستحق شيئاً.