واعلم أنهم لما تفكروا في الأصوب ما هو ظهر لهم أن الأصوب هو الرجوع، وأن يذكروا لأبيهم كيفية الواقعة على الوجه من غير تفاوت، والظاهر أن هذا القول قاله ذلك الكبير الذي قال :﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض حتى يَأْذَنَ لِى أَبِى﴾ قيل إنه روبيل، وبقي هو في مصر وبعث سائر إخوته إلى الأب.
فإن قيل : كيف حكموا عليه بأنه سرق من غير بينة، لا سيما وهو قد أجاب بالجواب الشافي، فقال الذي جعل الصواع في رحلي هو الذي جعل البضاعة في رحلكم.
والجواب عنه من وجوه :
الوجه الأول : أنهم شاهدوا أن الصواع كان موضوعاً في موضع ما كان يدخله أحد إلا هم، فلما شاهدوا أنهم أخرجوا الصواع من رحله غلب على ظنونهم أنه هو الذي أخذ الصواع، وأما قوله : وضع الصواع في رحلي من وضع البضاعة في رحالكم فالفرق ظاهر، لأن هناك لما رجعوا بالبضاعة إليهم اعترفوا بأنهم هم الذين وضعوها في رحالهم، وأما هذا الصواع فإن أحداً لم يعترف بأنه هو الذي وضع الصواع في رحله فظهر الفرق فلهذا السبب غلب على ظنونهم أنه سرق، فشهدوا بناء على هذا الظن، ثم بينهم غير قاطعين بهذا الأمر بقولهم :﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافظين ﴾.
والوجه الثاني : في الجواب أن تقدير الكلام ﴿إِنَّ ابنك سَرَقَ﴾ في قول الملك وأصحابه ومثله كثير في القرآن.
قال تعالى :﴿إِنَّكَ لاَنتَ الحليم الرشيد﴾ [ هود : ٨٧ ] أي عند نفسك، وقال تعالى :﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [ الدخان : ٤٩ ] أي عند نفسك وأما عندنا فلا فكذا ههنا.
الوجه الثالث : في الجواب أن ابنك ظهر عليه ما يشبه السرقة ومثل هذا الشيء يسمى سرقة فإن إطلاق اسم أحد الشبيهين على الشبيه الآخر جائز في القرآن قال تعالى :﴿وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا﴾ [ الشورى : ٤٠ ].


الصفحة التالية
Icon