الوجه الرابع : أن القوم ما كانوا أنبياء في ذلك الوقت فلا يبعد أن يقال : إنهم ذكروا هذا الكلام على سبيل المجازفة لا سيما وقد شاهدوا شيئاً يوهم ذلك.
الوجه الخامس : أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقرأ ﴿إِنَّ ابنك سَرَقَ﴾ بالتشديد، أي نسب إلى السرقة فهذه القراءة لا حاجة بها إلى التأويل لأن القوم نسبوه إلى السرقة، إلا أنا ذكرنا في هذا الكتاب أن أمثال هذه القراآت لا تدفع السؤال، لأن الإشكال إنما يدفع إذا قلنا القراءة الأولى باطلة، والقراءة الحقة هي هذه.
أما إذا سلمنا أن القراءة الأولى حقة كان الإشكال باقياً سواء صحت هذه القراءة الثانية أو لم تصح، فثبت أنه لا بد من الرجوع إلى أحد الوجوه المذكورة أما قوله :﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ فمعناه ظاهر لأنه يدل على أن الشهادة غير العلم بدليل قوله تعالى :﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ وذلك يقتضي كون الشهادة مغايرة للعلم ولأنه عليه السلام قال : إذا علمت مثل الشمس فاشهد، وذلك أيضاً يقتضي ما ذكرنا وليست الشهادة أيضاً عبارة عن قوله أشهد لأن قوله أشهد إخبار عن الشهادة والإخبار عن الشهادة غير الشهادة.
إذا ثبت هذا فنقول : الشهادة عبارة عن الحكم الذهني وهو الذي يسميه المتكلمون بكلام النفس، وأما قوله :﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافظين﴾ ففيه وجوه : الأول : أنا قد رأينا أنهم أخرجوا الصواع من رحله، وأما حقيقة الحال فغير معلومة لنا فإن الغيب لا يعلمه إلا الله.
والثاني : قال عكرمة معناه : لعل الصواع دس في متاعه بالليل، فإن الغيب اسم لليل على بعض اللغات.
والثالث : قال مجاهد والحسن وقتادة : وما كنا نعلم أن ابنك يسرق، ولو علمنا ذلك ما ذهبنا به إلى الملك وما أعطيناك موثقاً من الله في رده إليك.


الصفحة التالية
Icon