فصل
قال الفخر :
﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾
واعلم أن يعقوب عليه السلام لما سمع كلام أبنائه ضاق قلبه جداً وأعرض عنهم وفارقهم ثم بالآخرة طلبهم وعاد إليهم.
أما المقام الأول : وهو أنه أعرض عنهم، وفر منهم فهو قوله :﴿وتولى عَنْهُمْ وَقَالَ ياأسفى على يُوسُفَ ﴾.
واعلم أنه لما ضاق صدره بسبب الكلام الذي سمعه من أبنائه في حق بنيامين عظم أسفه على يوسف عليه السلام :﴿وَقَالَ يأَبَتِ دَخَلُواْ على يُوسُفَ﴾ وإنما عظم حزنه على مفارقة يوسف عند هذه الواقعة لوجوه :
الوجه الأول : أن الحزن الجديد يقوي الحزن القديم الكامن والقدح إذا وقع على القدح كان أوجع وقال متمم بن نويرة :
وقد لامني عند القبور على البكا.. رفيقي لتذراف الدموع السوافك
فقال أتبكي كل قبر رأيته.. لقبر ثوى بين اللوى والدكادك
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى.. فدعني فهذا كله قبر مالك
وذلك لأنه إذا رأى قبراً فتجدد حزنه على أخيه مالك فلاموه عليه، فأجاب بأن الأسى يبعث الأسى.
وقال آخر :
فلم تنسني أو في المصيبات بعده.. ولكن نكاء القرح بالقرح أوجع
والوجه الثاني : أن بنيامين ويوسف كانا من أم واحدة وكانت المشابهة بينهما في الصورة والصفة أكمل، فكان يعقوب عليه السلام يتسلى برؤيته عن رؤية يوسف عليه السلام، فلما وقع ما وقع زال ما يوجب السلوة فعظم الألم والوجد.
الوجه الثالث : أن المصيبة في يوسف كانت أصل مصائبه التي عليها ترتب سائر المصائب والرزايا، وكان الأسف عليه أسفاً على الكل.
الرابع : أن هذه المصائب الجديدة كانت أسبابها جارية مجرى الأمور التي يمكن معرفتها والبحث عنها.