وأما واقعة يوسف فهو عليه السلام كان يعلم كذبهم في السبب الذي ذكروه، وأما السبب الحقيقي فما كان معلوماً له، وأيضاً أنه عليه السلام كان يعلم أن هؤلاء في الحياة وأما يوسف فما كان يعلم أنه حي أو ميت، فلهذه الأسباب عظم وجده على مفارقته وقويت مصيبته على الجهل بحاله.
المسألة الثانية :
من الجهال من عاب يعقوب عليه السلام على قوله :﴿ياأسفى على يُوسُفَ﴾ قال : لأن هذا إظهار للجزع وجار مجرى الشكاية من الله وأنه لا يجوز، والعلماء بينوا أنه ليس الأمر كما ظنه هذا الجاهل، وتقريره أنه عليه السلام لم يذكر هذه الكلمة ثم عظم بكاؤه، وهو المراد من قوله :﴿وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن﴾ ثم أمسك لسانه عن النياحة، وذكر مالا ينبغي، وهو المراد من قوله :﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ ثم إنه ما أظهر الشكاية مع أحد من الخلق بدليل قوله :﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى الله﴾ وكل ذلك يدل على أنه لما عظمت مصيبته وقويت محنته فإنه صبر وتجرع الغصة وما أظهر الشكاية فلا جرم استوجب به المدح العظيم والثناء العظيم.
روي أن يوسف عليه السلام سأل جبريل هل لك علم بيعقوب ؟ قال نعم قال : وكيف حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى وهي التي لها ولد واحد ثم يموت.
قال : فهل له فيه أجر ؟ قال : نعم أجر مائة شهيد.