فإن قيل : روي عن محمد بن علي الباقر قال : مر بيعقوب شيخ كبير فقال له أنت إبراهيم فقال : أنا ابن ابنه والهموم غيرتني وذهبت بحسني وقوتي، فأوحى الله تعالى إليه :"حتى متى تشكوني إلى عبادي وعزتي وجلالي لو لم تشكني لأبدلنك لحماً خيراً من لحمك ودماً خيراً من دمك" فكان من بعد يقول : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وعن النبي ﷺ أنه قال :" كان ليعقوب أخ مواخ " فقال له : ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك فقال الذي أذهب بصري البكاء على يوسف وقوس ظهري الحزن على بنيامين، فأوحى الله تعالى إليه "أما تستحي تشكوني إلى غيري" فقال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، فقال يا رب أما ترحم الشيخ الكبير قوست ظهري، وأذهبت بصري، فاردد عليَّ ريحانتي يوسف وبنيامين فأتاه جبريل عليه السلام بالبشرى وقال : لو كانا ميتين لنشرتهما لك فاصنع طعاماً للمساكين، فإن أحب عبادي إلي الأنبياء والمساكين، وكان يعقوب عليه السلام إذا أراد الغداء نادى مناديه من أراد الغداء فليتغد مع يعقوب، وإذا كان صائماً نادى مثله عند الإفطار.
وروي أنه كان يرفع حاجبيه بخرقة من الكبر، فقال له رجل : ما هذا الذي أراه بك، قال طول الزمان وكثرة الأحزان، فأوحى الله إليه "أتشكوني يا يعقوب" فقال : يارب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي.
قلنا : إنا قد دللنا على أنه لم يأت إلا بالصبر والثبات وترك النياحة.
وروي أن ملك الموت دخل على يعقوب عليه السلام فقال له : جئت لتقبضني قبل أن أرى حبيبي فقال : لا، ولكن جئت لأحزن لحزنك وأشجو لشجوك، وأما البكاء فليس من المعاصي.


الصفحة التالية
Icon