فصل
قال الفخر :
﴿ فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنهم لما قالوا :﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ﴾ [ يوسف : ٧٨ ] وهو نهاية ما يمكنهم بذله فقال يوسف في جوابه :﴿مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ﴾ [ يوسف : ٧٩ ] فانقطع طمعهم من يوسف عليه السلام في رده، فعند هذا قال تعالى :﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّا﴾ وهو مبالغة في يأسهم من رده ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾ أي تفردوا عن سائر الناس يتناجون ولا شبهة أن المراد يتشاورون ويتحيلون الرأي فيما وقعوا فيه، لأنهم إنما أخذوا بنيامين من أبيهم بعد المواثيق المؤكدة وبعد أن كانوا متهمين في حق يوسف فلو لم يعيدوه إلى أبيهم لحصلت محن كثيرة : أحدها : أنه لو لم يعودوا إلى أبيهم وكان شيخاً كبيراً فبقاؤه وحده من غير أحد من أولاده محنة عظيمة.
وثانيها : أن أهل بيتهم كانوا محتاجين إلى الطعام أشد الحاجة.
وثالثها : أن يعقوب عليه السلام ربما كان يظن أن أولاده هلكوا بالكلية وذلك غم شديد ولو عادوا إلى أبيهم بدون بنيامين لعظم حياؤهم فإن ظاهر الأمر يوهم أنهم خانوه في هذا الابن كما أنهم خانوه في الابن الأول، ولكان يوهم أيضاً أنهم ما أقاموا لتلك المواثيق المؤكدة وزنا ولا شك أن هذا الموضع موضع فكرة وحيرة، وذلك يوجب التفاوض والتشاور طلباً للأصلح الأصوب فهذا هو المراد من قوله :﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّا ﴾.
المسألة الثانية :
قال الواحدي روي عن ابن كثير استياسوا ﴿حتى إِذَا استيئس الرسل﴾ [ يوسف : ١١٠ ] بغير همز وفي ييئس لغتان يئس وييأس مثل حسب ويحسب ومن قال استيأس قلب العين إلى موضع الفاء فصار استعفل وأصله استيأس ثم خففت الهمزة.