عجوز مفندة، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فيفندها كبرها ؛ ثم استأنف حكاية جوابهم فقال :﴿قالوا﴾ أي السامعون له ما ظنه بهم، مقسمين بما دل على تعجبهم، وهو ﴿تالله﴾ أي الملك الأعظم، وأكدوا لمعرفتهم أنه ينكر كلامهم وكذا كل من يعرف كماله ﴿إنك لفي ضلالك﴾ أي بحيث صار ظرفاً لك ﴿القديم﴾ أي خطئك في ظن حياة يوسف ؛ قال الرماني : والضلال : الذهاب عن جهة الصواب.
فصحح الله قوله وحقق وجدانه، وعجلوا إليه بشيراً فأسرع بعد الفصول، ولذلك عبر بالفاء في ﴿فلما﴾ وزيدت ﴿أن﴾ لتأكيد مجيئه على تلك الحال وزيادتها قياس مطرد ﴿جاء البشير﴾ وهو يهوذا بذلك، معه القميص ﴿ألقاه﴾ أي القميص حين وصل إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام من غير فاصل ما بين أول المجيء وبينه كما أفادته زيادة " أن " لتأكيد ما تفيده " لما " من وقوع الفصل الثاني وهو هنا الإلقاء عقب الأول وترتبه عليه وهو هنا المجيء ﴿على وجهه﴾ أي يعقوب عليه الصلاة والسلام ﴿فارتد﴾ من حينه ﴿بصيراً﴾ والارتداد : انقلاب الشيء إلى حال كان عليها، فالتفت الخاطر إلى حاله مع فنده، فأخبر تعالى عن ذلك بقوله مستأنفاً :﴿قال﴾ أي يعقوب عليه الصلاة والسلام ﴿ألم أقل لكم﴾ : إني أجد ريحه ؛ ثم علل هذا التقرير بقوله مؤكداً لأن قولهم قول من ينكر :﴿إني أعلم من الله﴾ أي المختص بصفات الكمال ﴿ما لا تعلمون﴾ لما خصني به تعالى من أنواع المواهب، وهو عام لأخبار يوسف عليه الصلاة والسلام وغيرها، وهو من التحديث بنعمة الله.
ولما كان ذلك تشوفت النفس إلى علم ما يقع بينه وبين أولاده في ذلك، فدفع عنها هذا العناء بقوله :﴿قالوا ياأبانا﴾ منادين بالأداة التي تدل على الاهتمام العظيم بما بعدها لما له من عظيم الوقع :﴿استغفر﴾ أي اطلب من الله أن يغفر ﴿لنا ذنوبنا﴾ ورد كل ضمير من هذه الضمائر إلى صاحبه في غاية الوضوح، فلذلك لم يصرح بصاحبه.