واعلم أن هذه الآية تصديق لقوله تعالى :﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ [ يوسف : ١٥ ] وأما قوله :﴿وَأَخِيهِ﴾ فالمراد ما فعلوا به من تعريضه للغم بسبب إفراده عن أخيه لأبيه وأمه، وأيضاً كانوا يؤذونه ومن جملة أقسام ذلك الإيذاء قالوا في حقه :﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ [ يوسف : ٧٧ ] وأما قوله :﴿إِذْ أَنتُمْ جاهلون﴾ فهو يجري مجرى العذر كأنه قال : أنتم إنما أقدمتم على ذلك الفعل القبيح المنكر حال ما كنتم في جهالة الصبا أو في جهالة الغرور، يعني والآن لستم كذلك، ونظيره ما يقال في تفسير قوله تعالى :﴿مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم﴾ [ الأنفطار : ٦ ] قيل إنما ذكر تعالى هذا الوصف المعين ليكون ذلك جارياً مجرى الجواب وهو أن يقول العبد يا رب غرني كرمك فكذا ههنا إنما ذكر ذلك الكلام إزالة للخجالة عنهم وتخفيفاً للأمر عليهم.
ثم إن إخوته قالوا :﴿أَءنَّكَ لاَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ﴾ قرأ ابن كثير ﴿إِنَّكَ﴾ على لفظ الخبر، وقرأ نافع ﴿أَءنَّكَ لاَنتَ يُوسُفُ﴾ بفتح الألف غير ممدودة وبالياء وأبو عمرو ﴿آينك﴾ بمد الألف وهو رواية قالون عن نافع، والباقون ﴿أئنك﴾ بهمزتين وكل ذلك على الاستفهام، وقرأ أبي ﴿أَوْ أَنتَ يُوسُفَ﴾ فحصل من هذه القراءات أن من القراء من قرأ بالاستفهام ومنهم من قرأ بالخبر.
أما الأولون فقالوا : إن يوسف لما قال لهم :﴿هَلْ عَلِمْتُمْ﴾ وتبسم فأبصروا ثناياه، وكانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف، فقالوا له استفهاماً ﴿أَءنَّكَ لاَنتَ يُوسُفُ﴾ ويدل على صحة الاستفهام أنه ﴿قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ﴾ وإنما أجابهم عما استفهموا عنه.