وأما من قرأ على الخبر فحجته ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إخوة يوسف لم يعرفوه حتى وضع التاج عن رأسه، وكان في فرقه علامة وكان ليعقوب وإسحق مثلها شبه الشامة، فلما رفع التاج عرفوه بتلك العلامة، فقالوا :﴿إِنَّكَ لاَنتَ يُوسُفَ﴾ ويجوز أن يكون ابن كثير أراد الاستفهام ثم حذف حرف الاستفهام وقوله :﴿قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ﴾ فيه بحثان :
البحث الأول : اللام لام الابتداء، وأنت مبتدأ ويوسف خبره، والجملة خبر إن.
البحث الثاني : أنه إنما صرح بالاسم تعظيماً لما نزل به من ظلم إخوته وماعوضه الله من الظفر والنصر ؛ فكأنه قال : أنا الذي ظلمتموني على أعظم الوجوه والله تعالى أوصلني إلى أعظم المناصب، أنا ذلك العاجز الذي قصدتم قتله وإلقاءه في البئر ثم صرت كما ترون، ولهذا قال :﴿وهذا أَخِى﴾ مع أنهم كانوا يعرفونه لأن مقصوده أن يقول : وهذا أيضاً كان مظلوماً كما كنت ثم إنه صار منعماً عليه من قبل الله تعالى كما ترون وقوله :﴿قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَا﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما بكل عز في الدنيا والآخرة وقال آخرون بالجمع بيننا بعد التفرقة وقوله :﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ﴾ معناه : من يتق معاصي الله ويصبر على أذى الناس ﴿فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ والمعنى : إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجرهم فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين.
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
اعلم أن يوسف عليه السلام وصف نفسه في هذا المقام الشريف بكونه متقياً ولو أنه قدم على ما يقوله الحشوية في حق زليخا لكان هذا القول كذباً منه وذكر الكذب في مثل هذا المقام الذي يؤمن فيه الكافر ويتوب فيه العاصي لا يليق بالعقلاء.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon