وأما قوله :﴿وَإِن كُنَّا لخاطئين﴾ قيل الخاطىء هو الذي أتى بالخطيئة عمداً وفرق بين الخاطىء والمخطىء، فلهذا الفرق يقال لمن يجتهد في الأحكام فلا يصيب إنه مخطىء، ولا يقال إنه خاطىء وأكثر المفسرين على أن الذي اعتذروا منه هو إقدامهم على إلقائه في الجب وبيعه وتبعيده عن البيت والأب، وقال أبو علي الجبائي : إنهم لم يعتذروا إليه من ذلك، لأن ذلك وقع منهم قبل البلوغ فلا يكون ذنباً فلا يعتذر منه، وإنما اعتذروا من حيث إنهم أخطؤا بعد ذلك بأن لم يظهروا لأبيهم ما فعلوه، ليعلم أنه حي وأن الذئب لم يأكله وهذا الكلام ضعيف من وجوه :
الوجه الأول : أنا بينا أنه لا يجوز أن يقال إنهم أقدموا على تلك الأعمال في زمن الصبا لأنه من البعيد في مثل يعقوب أن يبعث جمعاً من الصبيان غير البالغين من غير أن يبعث معهم رجلاً عاقلاً يمنعهم عما لا ينبغي ويحملهم على ما ينبغي.
الوجه الثاني : هب أن الأمر على ما ذكره الجبائي إلا أنا نقول غاية ما في الباب أنه لا يجب الاعتذار عن ذلك إلا أنه يمكن أن يقال إنه يحسن الاعتذار عنه، والدليل عليه أن المذنب إذا تاب زال عقابه ثم قد يعيد التوبة والاعتذار مرة أخرى، فعلمنا أن الإنسان أيضاً قد يتوب عند ما لا تكون التوبة واجبة عليه.
واعلم أنهم لما اعترفوا بفضله عليهم وبكونهم مجرمين خاطئين قال يوسف :﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ﴾ وفيه بحثان :
البحث الأول : التثريب التوبيخ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :" إذا زنت أمة أحدكم فليضربها الحد ولا يثربها " أي ولا يعيرها بالزنا، فقوله :﴿لاَ تَثْرَيبَ﴾ أي لا توبيخ ولا عيب وأصل التثريب من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش.


الصفحة التالية
Icon