إذا أخرجني من السجن ولم يذكر إخراجه من البئر لوجوه : الأول : أنه قال لإخوته ﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم﴾ ولو ذكر واقعة البئر لكان ذلك تثريباً لهم فكان إهماله جاراً مجري الكرم، الثاني : أنه لما خرج من البئر لم يصر ملكاً بل صيروه عبداً، أما لما خرج من السجن صيروه ملكاً فكان هذا الإخراج أقرب من أن يكون إنعاماً كاملاً، الثالث : أنه لما أخرج من البئر وقع في المضار الحاصلة بسبب تهمة المرأة فلما أخرج من السجن وصل إلى أبيه وإخوته وزالت التهمة فكان هذا أقرب إلى المنفعة، الرابع : قال الواحدي : النعمة في إخراجه من السجن أعظم لأن دخوله في السجن كان بسبب ذنب هم به، وهذا ينبغي أن يحمل على ميل الطبع ورغبة النفس، وهذا وإن كان في محل العفو في حق غيره إلا أنه ربما كان سبباً للمؤاخذة في حقه لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
ثم قال :﴿وَجَاء بِكُمْ مّنَ البدو﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
في الآية قولان :
القول الأول : جاء بكم من البدو أي من البداية، وقال الواحدي : البدو بسيط من الأرض يظهر فيه الشخص من بعيد وأصله من بدا يبدو بدواً، ثم سمي المكان باسم المصدر فيقال : بدو وحضر وكان يعقوب وولده بأرض كنعان أهل مواش وبرية.
والقول الثاني : قال ابن عباس رضي الله عنهما كان يعقوب قد تحول إلى بدا وسكنها، ومنها قدم على يوسف وله بها مسجد تحت جبلها قال ابن الأنباري : بدا اسم موضع معروف يقال هو بين شعب وبدا وهما موضعان ذكرهما جميعاً كثير فقال :
وأنت التي حببت شعباً إلى بدا.. إلى وأوطاني بلاد سواهما