فلما رأى أن الأمر بلغ الغاية ولم يبق شيء يتخوفه، عرفهم بنفسه فاستأنف تعالى الإخبار عن ذلك بقوله حكاية :﴿قال هل علمتم﴾ مقرراً لهم بعد أن اجترؤوا عليه واستأنسوا به، والظاهر أن هذا كان بغير ترجمان ﴿ما﴾ أي قبح الذي ﴿فعلتم بيوسف﴾ أي أخيكم الذي حلتم بينه وبين أبيه ﴿وأخيه﴾ في جعلكم إياه فريداً منه ذليلاً بينكم، ثم في قولكم له لما وجدوا الصواع في رحله : لا يزال يأتينا البلاء من قبلكم يا بني راحيل! وأعلمهم بأن ظنه فيهم الآن جميل تسكيناً لهم فقال :﴿إذ﴾ أي حين ﴿أنتم جاهلون﴾ أي فاعلون فعلهم - تلويحاً لهم إلى معرفته وتذكيراً بالذنب ليتوبوا، وتلطفاً معهم في ذلك المقام الذي يتنفس فيه المكروب، وينفث فيه المصدور، ويشتفي فيه المغيظ المحنق، ويدرك ثأره الموتور، بتخصيص جهلهم - بمقتضى " إذا " - بذلك الزمان إفهاماً لهم أنهم الآن على خلاف ذلك، فكأنه قيل : إنه قد قرب لهم الكشف عن أمره، لأنه لا يستفهم ملك مثله - لم ينشأ بينهم ولا تتبع أحوالهم وليس منهم - هذا الاستفهام ولا سيما وقد روى أنه لما قال هذا تبسم، وكان في تبسمه أمر من الحسن لا يجهله معه من رآه ولو مرة واحدة، فهل عرفوه؟ فقيل : ظنوه ظناً غالباً، ولذلك ﴿قالوا﴾ مستفهمين ﴿أإنك﴾ وأكدوا بقولهم :﴿لأنت يوسف ﴾.


الصفحة التالية
Icon