أحدها : أنه ظن أن الذي تخلَّف منهم، إِنما تخلف حيلة ومكراً ليصدِّقهم، قاله وهب بن منبه.
والثاني : أن المعنى : سوَّلت لكم أنفسكم أنّ خروجكم بأخيكم يجلب نفعاً، فجرَّ ضرراً، قاله ابن الأنباري.
والثالث : سوَّلت لكم أنه سرق، وما سرق.
قوله تعالى :﴿ عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً ﴾ يعني : يوسف وبنيامين وأخاهما المقيم بمصر، وقال مقاتل : أقام بمصر يهوذا وشمعون، فأراد بقوله.
"أن يأتيني بهم" يعني : الأربعة.
قوله تعالى :﴿ إِنه هو العليم ﴾ أي : بشدة حزني، وقيل : بمكانهم، ﴿ الحكيم ﴾ فيما حكم عليّ.
قوله تعالى :﴿ وتولَّى عنهم ﴾ أي : أعرض عن ولده أن يطيل معهم الخطب، وانفرد بحزنه، وهيَّج عليه ذِكر يوسف ﴿ وقال يا أسفى على يوسف ﴾ قال ابن عباس : يا طول حزني على يوسف.
قال ابن قتيبة : الأسف : أشد الحسرة.
قال سعيد بن جبير : لقد أُعطيتْ هذه الأمة عند المصيبة مالم يُعْطَ الأنبياء قبلهم ﴿ إِنا لله وإِنا إِليه راجعون ﴾ [ البقرة : ١٥٦ ]، ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب ؛ إِذ يقول :"يا أسفى على يوسف".
فإن قيل : هذا لفظ الشكوى، فأين الصبر؟
فالجواب من وجهين :
أحدهما : أنه شكا إِلى الله تعالى، لا مِنْهُ.
والثاني : أنه أراد به الدعاء، فالمعنى : يارب ارحم أسفي على يوسف.
وذكر ابن الأنباري عن بعض اللغويين أنه قال : نداء يعقوب الأسف في اللفظ من المجاز الذي يُعنى به غير المظهر في اللفظ وتلخيصه : يا إِلهي ارحم أسفي، أو أنت راءٍ أسفي، وهذا أسفي، فنادى الأسف في اللفظ، والمنادى في المعنى سواه، كما قال :"يا حسرتنا" والمعنى : يا هؤلاء تنبهوا على حسرتنا، قال : والحزن ونفور النفس من المكروه والبلاء لا عيب فيه ولا مأثم إِذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثِّم ولم يشكُ إِلا إِلى ربه فلما كان قوله :"يا أسفى" شكوى إِلى ربه، كان غير ملوم.