﴿ ارجعوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يا أَبَانَا إِنَّ ابنك سَرَقَ ﴾ وقرىء ﴿ سرِّق ﴾ أي نسب إلى السرقة ﴿ وَمَا شَهِدْنَا ﴾ عليه بالسرقة ﴿ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا ﴾ من سرقته وتيقنا إذ الصواع استخرج من وعائه ﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافظين ﴾ وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الموثق.
﴿ واسئل القرية التى كُنَّا فِيهَا ﴾ يعني مصر أي أرسل إلى أهلها فاسألهم عن كنه القصة ﴿ والعير التى أَقْبَلْنَا فِيهَا ﴾ وأصحاب العير وكانوا قوماً من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام ﴿ وِإِنَّا لصادقون ﴾ في قولنا فرجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾ أردتموه وإلا فمن أدرى ذلك الرجل أن السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ بيوسف وأخيه وكبيرهم ﴿ إِنَّهُ هُوَ العليم ﴾ بحالي في الحزن والأسف ﴿ الحكيم ﴾ الذي لم يبتلني بذلك إلا لحكمة ﴿ وتولى عَنْهُمْ ﴾ وأعرض عنهم كراهة لما جاؤوا به ﴿ وَقَالَ يا أسفى عَلَى يُوسُفَ ﴾ أضاف الأسف وهو أشد الحزن والحسرة إلى نفسه.
والألف بدل من ياء الإضافة، والتجانس بين الأسف ويوسف غير متكلف ونحوه ﴿ اثاقلتم إِلَى الأرض أَرَضِيتُم ﴾ [ التوبة : ٣٨ ] ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٦ ] ﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [ الكهف : ١٠٤ ] ﴿ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ ﴾ ) النحل : ٢٢ ) وإنما تأسف دون أخيه وكبيرهم لتمادي أسفه على يوسف دون الآخرين، وفيه دليل على أن الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضاً عنده طرياً ﴿ وابيضت عَيْنَاهُ ﴾ إذ أكثر الاستعبار ومحقت العبرة سواد العين وقلبته إلى بياض كدر.
وقيل : قد عمي بصره.
وقيل : كان قد يدرك إدراكاً ضعيفاً ﴿ مِنَ الحزن ﴾ لأن الحزن سبب البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن.