البحث الثالث : قال الزجاج : نصبه من وجهين : أحدهما : على الصفة لقوله :﴿رَبّ﴾ وهو نداء مضاف في موضع النصب.
والثاني : يجوز أن ينصب على نداء ثان.
ثم قال :﴿أَنتَ وَلِىُّ فِى الدنيا والأخرة﴾ والمعنى : أنت الذي تتولى إصلاح جميع مهماتي في الدنيا والآخرة فوصل الملك الفاني بالملك الباقي، وهذا يدل على أن الإيمان والطاعة كلمة من الله تعالى إذ لو كان ذلك من العبد لكان المتولي لمصالحه هو هو، وحينئذ يبطل عموم قوله :﴿رَبّ قَدْ اتَيْتَنِى مِنَ الملك ﴾.
ثم قال :﴿تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بالصالحين﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام حكى عن جبريل عليه السلام عن رب العزة أنه قال :"من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين" فلهذا المعنى من أراد الدعاء فلا بد وأن يقدم عليه ذكر الثناء على الله فههنا يوسف عليه السلام لما أراد أن يذكر الدعاء قدم عليه الثناء وهو قوله :﴿رَبّ قَدْ اتَيْتَنِى مِنَ الملك وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الأحاديث فَاطِرَ السموات والأرض﴾ ثم ذكر عقيبه الدعاء وهو قوله :﴿تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بالصالحين﴾ ونظيره ما فعله الخليل صلوات الله عليه في قوله :﴿الذى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ [ الشعراء : ٧٨ ] من هنا إلى قوله :﴿رَبّ هَبْ لِى حُكْماً﴾ [ الشعراء : ٨٣ ] ثناء على الله ثم قوله :﴿رَبّ هَبْ لِى﴾ إلى آخر الكلام دعاء فكذا ههنا.
المسألة الثانية :
اختلفوا في أن قوله :﴿تَوَفَّنِى مُسْلِمًا﴾ هل هو طلب منه للوفاة أو لا ؟ فقال قتادة : سأل ربه اللحوق به ولم يتمن نبي قط الموت قبله، وكثير من المفسرين على هذا القول، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : في رواية عطاء يريد إذا توفيتني فتوفني على دين الإسلام، فهذا طلب لأن يجعل الله وفاته على الإسلام وليس فيه ما يدل على أنه طلب الوفاة.


الصفحة التالية
Icon