ولذة الإمارة والرياسة عبارة عن دفع الألم الحاصل بسبب شهوة الانتقام وطلب الرياسة وإذا كان حاصل هذه اللذات ليس إلا دفع الألم لا جرم صارت عند العقلاء حقيرة خسيسة نازلة ناقصة وحينئذ يتمنى الإنسان الموت ليتخلص عن الاحتياج إلى هذه الأحوال الخسيسة.
والسبب الرابع : أن مداخل اللذات الدنيوية قليلة وهي ثلاثة أنواع : لذة الأكل ولذة الوقاع ولذة الرياسة ولكل واحدة منها عيوب كثيرة.
أما لذة الأكل ففيها عيوب : أحدها : أن هذه اللذات ليست قوية فإن الشعور بألم القولنج الشديد والعياذ بالله منه أشد من الشعور باللذة الحاصلة عند أكل الطعام.
وثانيها : أن هذه اللذة لا يمكن بقاؤها فإن الإنسان إذا أكل شبع وإذا شبع لم يبق شوقه للالتذاذ بالأكل فهذه اللذة ضعيفة، ومع ضعفها غير باقية.
وثالثها : أنها في نفسها خسيسة فإن الأكل عبارة عن ترطيب ذلك الطعام بالبزاق المجتمع في الفم ولا شك أنه شيء منفر مستقذر ثم لما يصل إلى المعدة تظهر فيه الاستحالة إلى الفساد والنتن والعفونة، وذلك أيضاً منفر.
ورابعها : أن جميع الحيوانات الخسيسة مشاركة فيها فإن الروث في مذاق الجعل كاللوزنيج في مذاق الإنسان وكما أن الإنسان يكره تناول غذاء الجعل، فكذلك الجعل يكره تناول غذاء الإنسان، وأما اللذة فمشتركة فيما بين الناس.
وخامسها : أن الأكل إنما يطيب عند اشتداد الجوع وتلك حاجة شديدة والحاجة نقص وافر.
وسادسها : أن الأكل يستحقر عند العقلاء.


الصفحة التالية
Icon