قيل : من كان همته ما يدخل في بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه، فهذا هو الإشارة المختصرة في معايب الأكل، وأما لذة النكاح، فكل ما ذكرناه في الأكل حاصل ههنا مع أشياء أخرى، وهي أن النكاح سبب لحصول الولد، وحينئذ تكثر الأشخاص فتكثر الحاجة إلى المال فيحتاج الإنسان بسببها إلى الاحتيال في طلب المال بطرق لا نهاية لها، وربما صار هالكاً سبب طلب المال، وأما لذة الرياسة فعيوبها كثيرة والذي نذكره ههنا بسبب واحد وهو أن كل أحد يكره بالطبع أن يكون خادماً مأموراً ويحب أن يكون مخدوماً آمراً، فإذا سعى الإنسان في أن يصير رئيساً آمراً كان ذلك دالاً على مخالفة كل ما سواه، فكأنه ينازع كل الخلق في ذلك، وهو يحاول تحصيل تلك الرياسة، وجميع أهل الشرق والغرب يحاولون إبطاله ودفعه، ولا شك أن كثرة الأسباب توجب قوة حصول الأثر وإذا كان كذلك كان حصول هذه الرياسة كالمعتذر ولو حصل فإنه يكون على شرف الزوال في كل حين وأوان بكل سبب من الأسباب وكان صاحبها عند حصولها في الخوف الشديد من الزوال وعند زوالها في الأسف العظيم والحزن الشديد بسبب ذلك الزوال.
واعلم أن العاقل إذا تأمل هذه المعاني علم قطعاً أنه لا صلاح له في طلب هذه اللذات والسعي في هذه الخيرات ألبتة.
ثم إن النفس خلقت مجبولة على طلبها، والعشق الشديد عليها، والرغبة التامة في الوصول إليها وحينئذ ينعقد ههنا قياف، وهو أن الإنسان ما دام يكون في هذه الحياة الجسمانية فإنه يكون طالباً لهذه اللذات وما دام يطلبها كان في عين الآفات وفي لجة الحسرات، وهذا اللازم مكروه فالملزوم أيضاً مكروه فحينئذ يتمنى زوال هذه الحياة الجسمانية والسبب في الأمور المرغبة في الموت أن موجبات هذه اللذة الجسمانية متكررة ولا يمكن الزيادة عليها والتكرير يوجب الملالة أما سعادات الآخرة فهي أنواع كثيرة غير متناهية.