ولذلك يوضح له الحق سبحانه : أنت لن تهدي مَنْ تحرص على هدايته.
ويقول سبحانه :﴿ إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ... ﴾ [ النحل : ٣٧ ]
ومن هذه الآية نستفيد أن كل رسول عليه أن يوطن نفسه على أن الناس سيعقدون مقارناتٍ بين البدائل النفعية ؛ وسيقعون في أخطاء اختيار غير الملائم لفائدتهم على المدى الطويل ؛ فوطِّنْ نفسك يا محمد على ذلك.
وإذا كنتَ يا رسول الله قد حملتَ الرسالة وتسألهم الإيمان لفائدتهم، فأنت تفعل ذلك دون أجر ؛ رغم أنهم لو فَطِنوا إلى الأمر لكان يجب أن يقدروا أجراً لمن يهديهم سواء السبيل، لأن الأجر يُعْطَى لمن يقدم لك منفعة.
والإنسان حريص على أن يدفع الأجر لمن يُعينه على منفعة ؛ والمنفعة إما أن تكون موقوتة بزمن دنيوي ينتهي، وإما أن تكون منفعة ممتدة إلى ما لا نهاية ؛ راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة.
ويأتي القرآن بقول الرسل :﴿ لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً... ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ]
ولم يَقُلْ ذلك اثنان هما : إبراهيم عليه السلام، وموسى عليه السلام.
وكان العقل يقول : كان يجب على الناس لو أنها تُقدِّر التقدير السليم ؛ أن تدفع أجراً للرسول الذي يُفسِّر لهم أحوال الكون، ويُطمئنهم على مصيرهم بعد الموت، ويشرح لهم منهج الحق، ويكون لهم أُسْوة حسنة.
ونحن نجد في عالمنا المعاصر أن الأسرة تدفع الكثير للمدرس الخصوصي الذي يُلقِّن الابن مبادئ القراءة والكتابة، فما بالنا بمَنْ يضيء البصر والبصيرة بالهداية؟
ومقتضى الأمر أن الرسول ﷺ يقدم نفعاً أبدياً لمن يتبعه، لكنه لم يطلب أجراً.
ويقول الحق سبحانه :
﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ... ﴾
وفي هذا القول الكريم ما يوضح أن النبي ﷺ لا يسأل قومه أجراً على هدايته لهم ؛ لأن أجره على الله وحده.