وقال أبو حيان :
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
الضمير في قصصهم عائد على الرسل، أو على يوسف وأبويه وإخوته، أو عليهم وعلى الرسل ثلاثة أقوال.
الأول : اختاره الزمخشري قال : وينصره قراءة من قرأ قصصهم بكسر القاف انتهى.
ولا ينصره إذ قصص يوسف وأبيه وأخوته مشتمل على قصص كثيرة وأنباء مختلفة.
والذي قرأ بكسر القاف هو أحمد بن جبير الانطاكي عن الكسائي، والقصبي عن عبد الوارث عن أبي عمر وجمع قصة.
واختار ابن عطية الثالث، بل لم يذكره غيره.
والعبرة الدلالة التي يعبر بها عن العلم.
وإذا عاد الضمير على يوسف عليه السلام وأبويه وإخوته، فالاعتبار بقصصهم من وجوه إعزاز يوسف عليه السلام بعد إلقائه في الجب، وإعلاؤه بعد حبسه في السجن، وتملكه مصر بعد استعباده، واجتماعه مع والديه وإخوته على ما أحب بعد الفرقة الطويلة.
والإخبار بهذا القصص إخباراً عن الغيب، والإعلام بالله تعالى من العلم والقدرة والتصرف في الأشياء على ما لا يخطر على بال ولا يجول في فكر.
وإنما خص أولو الألباب لأنهم هم الذين ينتفعون بالعبر، ومن له لب وأجاد النظر، ورأى ما فيها من امتحان ولطف وإحسان، علم أنه أمر من الله تعالى، ومن عنده تعالى.
والظاهر أنّ اسم كان مضمر يعود على القصص أي : ما كان القصص حديثاً مختلفاً، بل هو حديث صدق ناطق بالحق جاء به من لم يقرأ الكتب، ولا تتلمذ لأحد، ولا خالط العلماء، فمحال أن يفتري هذه القصة بحيث تطابق ما ورد في التوراة من غير تفاوت.
وقيل : يعود على القرآن أي : ما كان القرآن الذي تضمن قصص يوسف عليه السلام وغيره حديثاً يختلق، ولكن كان تصديق الكتب المتقدمة الإلهية، وتفصيل كل شيء واقع ليوسف مع أبويه وإخوته إن كان الضمير عائداً على قصص يوسف، أو كل شيء مما حتاج إلى تفصيله في الشريعة إن عاد على القرآن.


الصفحة التالية
Icon