فصل
قال الفخر :
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
اعلم أن الاعتبار عبارة عن العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول، والمراد منه التأمل والتفكر، ووجه الاعتبار بقصصهم أمور : الأول : أن الذي قدر على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجب، وإعلائه بعد حبسه في السجن وتمليكه مصر بعد أن كانوا يظنون به أنه عبد لهم، وجمعه مع والديه وإخوته على ما أحب بعد المدة الطويلة، لقادر على إعزاز محمد ﷺ وإعلاء كلمته.
الثاني : أن الإخبار عنه جار مجرى الإخبار عن الغيب، فيكون معجزة دالة على صدق محمد ﷺ، الثالث : أنه ذكر في أول السورة ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص﴾ [ يوسف : ٣ ] ثم ذكر في آخرها :﴿لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى الألباب﴾ تنبيهاً على أن حسن هذه القصة إنما كان بسبب أنه يحصل منها العبرة ومعرفة الحكمة والقدرة.
والمراد من قصصهم قصة يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه، ومن الناس من قال : المراد قصص الرسل لأنه تقدم في القرآن ذكر قصص سائر الرسل إلا أن الأولى أن يكون المراد قصة يوسف عليه السلام.
فإن قيل : لم قال :﴿عِبْرَةٌ لاّوْلِى الألباب﴾ مع أن قوم محمد ﷺ كانوا ذوي عقول وأحلام، وقد كان الكثير منهم لم يعتبر بذلك.
قلنا : إن جميعهم كانوا متمكنين من الاعتبار، والمراد من وصف هذه القصة بكونها عبرة كونها بحيث يمكن أن يعتبر بها العاقل، أو نقول : المراد من أولي الألباب الذين اعتبروا وتفكروا وتأملوا فيها وانتفعوا بمعرفتها، لأن ﴿أُوْلِى الألباب﴾ لفظ يدل على المدح والثناء فلا يليق إلا بما ذكرناه، واعلم أنه تعالى وصف هذه القصة بصفات.
الصفة الأولى : كونها ﴿عِبْرَةٌ لاّوْلِى الالباب﴾ وقد سبق تقريره.