قال تعالى "وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ" يا خاتم الرّسل "بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ" من العذاب "أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ" قبله فنريكه بالآخرة بأن نمثل لك وقوعه فيهم كما كان في الدّنيا فضلا عن عذاب الآخرة، راجع الآية ٣٠ من آل عمران المارة وما ترشدك إليه، فلا يهمنك شأن من لم يؤمن "فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ" هم والمداومة عليه فقط، وعليهم أن يؤمنوا ويقبلوا إرشادك ونصحك، وإن لم يقبلوا فعليهم الوبال "وَعَلَيْنَا الْحِسابُ" ٤٠ والجزاء لمن أعرض عن بلاغك، ولا تتعجل نزول العذاب بهم يا محمد فإن له أجلا لا يتعداه ولا يتقدم عليه بمقتضى الكتاب المشار إليه آنفا.
ونظير هذه الآية الآية ٧٨ من سورة المؤمن والآية ٤٦ من سورة يونس والآيتين ٦٣ و٦٤ من سورة المؤمنين في ج ٢ فقط لا يوجد غيرها في القرآن كله واللّه أعلم.
قال تعالى "أَ وَلَمْ يَرَوْا"
هؤلاء "أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ" المقيم بها الكفرة "نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها" بالاستيلاء عليها وإجلاء أهلها منها وإسكان المؤمنين فيها كما وقع في بني النّضير وقريظة وخيبر وغيرهم.
وتشير هذه الاية إلى استيلاء المؤمنين على كثير من أراضي الكفار بالنصر عليهم والظّفر بهم وطردهم عنها، وترمي لمغزى آخر وهو نقص الأرض من طرق قطيها وهو كذلك، ومما لا يعرفه أحد عند نزول القرآن فهو من معجزاته وإخباره بالغيب، وقدمنا ما يتعلق بهذا في الآية ٤٤ من سورة الأنبياء في ج ٢ فراجعها.
وقال بعض المفسرين إن نقص الأرض يكون بموت العلماء وهو كما ترى، وكأنه أخذ من الخبر القائل إن موت العالم يحدث ثلمة في الإسلام، ويؤيد ما جربنا عليه ختم آية الأنبياء بقوله جل قوله (أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ) لأن الغالبية قد تكون بالفتوحات.