كفروا لست مرسلاً} [ الرعد : ٤٣ ]، والسورة بجملتها غير حائدة عن تلك الأغراض المجملة في الآيات الأربع المذكورات من آخر سورة يوسف، ومعظم السورة وغالب آيها في التنبيه وبسط الدلالات والتذكير بعظيم ما أودعت من الآيات ؛ ولما كان هذا شأنها أعقبت بمفتتح سورة إبراهيم عليه السلام - انتهى.
فلما أثبت سبحانه لهذا الكتاب أنه المختص بكونه حقاً فثبت أنه أعظم الأدلة والآيات، شرع يذكر ما أشار إليه بقوله :﴿وكأين من آية﴾ من الآيات المحسوسة الظاهرة الدالة على كون آيات الكتاب حقاً بما لها في أنفسها من الثبات، والدلالة بما لفاعلها من القدرة والاختيار - على أنه قادر على كل شيء، وأن ما أخبر به من البعث حق لما له من الحكمة، والدالة - بما للتعبير عنها من الإعجاز - على كونها من عند الله، وبدأ بما بدأ به في تلك من آيات السماوات لشرفها ولأنها أدل، فقال :﴿الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له جميع صفات الكمال وحده ﴿الذي رفع السماوات﴾ بعد إيجادها من عدم - كما أنتم بذلك مقرون ؛ والرفع : وضع الشيء في جهة العلو سواء كان بالنقل أو بالاختراع، كائنة ﴿بغير عمد﴾ جمع عماد كأهب وإهاب أو عمود، والعمود : جسم مستطيل يمنع المرتفع أن يميل، وأصله منع الميل ﴿ترونها﴾ أي مرئية حاملة لهذه الأجرام العظام التي مثلها لا تحمل في مجاري عاداتكم إلا بعد تناسبها في العظم، هذا على أن ﴿ترونها﴾ صفة، ويجوز - ولعله أحسن - أن يكون على تقدير سؤال من كأنه قال : ما دليل أنها بغير عمد؟ فقيل : المشاهدة التي لا أجلى منها.