قال الواحدي : وأصل هذا الحرف من المثل الذي هو الشبه، ولما كان الأصل أن يكون العقاب مشابهاً للمعاقب ومماثلاً له لا جرم سمي بهذا الاسم.
قال صاحب "الكشاف" : قرىء ( المثلات ) بضمتين لاتباع الفاء العين، ( والمثلات ) بفتح الميم وسكون الثاء كما يقال : السمرة، والمثلات، بضم الميم وسكون الثاء تخفيف المثلات بضمتين، والمثلات جمع مثلة كركبة وركبات.
إذا عرفت هذا فنقول معنى الآية : ويستعجلونك بالعذاب الذي لم نعاجلهم به، وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية فلم يعتبروا بها، وكان ينبغي أن يردعهم خوف ذلك عن الكفر اعتباراً بحال من سلف.
أما قوله :﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ﴾ فاعلم أن أصحابنا تمسكوا بهذه الآية على أنه تعالى قد يعفو عن صاحب الكبيرة قبل التوبة، ووجه الاستدلال به أن قوله تعالى :﴿لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ﴾ أي حال اشتغالهم بالظلم كما أنه يقال : رأيت الأمير على أكله أي حال اشتغاله بالأكل فهذا يقتضي كونه تعالى غافراً للناس حال اشتغالهم بالظلم، ومعلوم أن حال اشتغال الإنسان بالظلم لا يكون تائباً فدل هذا على أنه تعالى قد يغفر الذنب قبل الاشتغال بالتوبة.
ثم نقول : ترك العمل بهذا الدليل في حق الكفر، فوجب أن يبقى معمولاً به في حق أهل الكبيرة وهو المطلوب، أو نقول : إنه تعالى لم يقتصر على قوله :﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ﴾ بل ذكر معه قوله ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب﴾ فوجب أن يحمل الأول على أصحاب الكبائر، وأن يحمل الثاني على أحوال الكفار.


الصفحة التالية
Icon