وقال ابن عطية :
﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾
هذه آية توبيخ للكفرة أي " وإن تعجب " يا محمد من جهالتهم وإعراضهم عن الحق - فهم أهل لذلك، وعجب وغريب ومزر بهم " قولهم " : أنعود بعد كوننا " تراباً " - خلقاً جديداً - ويحتمل اللفظ منزعاً آخر أي وإن كنت تريد عجباً فلهم، فإن من أعجب العجب " قولهم ".
واختلف القراء في قراءة قوله :﴿ أئذا كنا تراباً ﴾ فقرأ ابن كثير وأبو عمرو :" أئذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد " جميعاً بالاستفهام، غير أن أبا عمرو يمد الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مد. وقرأ نافع " أئذا كنا " مثل أبي عمرو، واختلف عنه في المد، وقرأ " إنا لفي خلق جديد " مكسورة على الخبر، ووافقه الكسائي في اكتفائه بالاستفهام الأول عن الثاني، غير أنه كان يهمز همزتين، وقرأ عاصم وحمزة " أئذا كنا تراباً أئنا " بهمزتين فيهما. وقرأ ابن عامر " إذا كنا " مكسورة الألف من غير استفهام " ءائنا " يهمز ثم يمد ثم يهمز، فمن قرأ بالاستفهامين فذلك للتأكيد والتحفي والاهتبال بهذا التقدير، ومن استفهم في الأول فقط فإنما القصد بالاستفهام الموضع الثاني، و" إذا ظرف له، و" إذا " في موضع نصب بفعل مضمر، تقديره : انبعث أو نحشر إذا. ومن استفهم في الثاني فقط فهو بين، - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.
والإشارة ب ﴿ أولئك ﴾ إلى القوم القائلين :﴿ أئذا كنا تراباً ﴾ وتلك المقالة إنما هي تقرير مصمم على الجحد والإنكار للبعث، فلذلك حكم عليهم بالكفر.
وقوله :﴿ وأولئك الأغلال ﴾ يحتمل معنيين :
أحدهما : الحقيقة وأنه أخبر عن كون ﴿ الأغلال في أعناقهم ﴾ في الآخرة فهي كقوله تعالى :﴿ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل ﴾ [ غافر : ٧١ ].


الصفحة التالية
Icon