وقد علم أن الزبد مثَل للباطل وأن الماء مثَل للحق، فارتقى عند ذلك إلى ما في المثلين من صفتي البقاء والزوال ليتوصل بذلك إلى البشارة والنذارة لأهل الحق وأهل الباطل بأن الفريق الأول هو الباقي الدائم، وأن الفريق الثاني زائل بائد، كقوله :﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عباديَ الصالحون إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥، ١٠٦ ]، فصار التشبيه تعريضاً وكناية عن البشارة والنذارة، كما دل عليه قوله عقب ذلك ﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له ﴾ [ الرعد : ١٨ ] الخ كما سيأتي قريباً.
فجملة فأما الزبد } معطوفة على جملة ﴿ فاحتمل السيل زبداً رابيا ﴾ مفرّعةٌ على التمثيل.
وافتتحت بـ ﴿ أما ﴾ للتوكيد وصَرْف ذهن السامع إلى الكلام لما فيه من خفي البشارة والنذارة، ولأنه تمام التمثيل.
والتقدير : فذهب الزبد جُفاء ومكُث ما ينفع الناس في الأرض.
والجُفاء : الطريح المرميُّ، وهذا وعيد للمشركين بأنهم سيبيدون بالقتل ويبقى المؤمنون.
وعبر عن الماء بما ينفع الناس للإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو البقاء في الأرض تعريضاً للمشركين بأن يعرضوا أحوالهم على مضمون هذه الصلة ليعلموا أنهم ليسوا ما ينفع الناس، وهذه الصلة موازنة للوصف في قوله تعالى :﴿ إن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾ [ سورة الأنبياء : ١٠٥ ].
واكتفي بذكر وجه شبه النافع بالماء وغير النافع بالزبد عن ذكر وجه شَبَه النافع بالذهب أو الفضة وغير النافع بزبدهما استغناء عنه.
وجملة كذلك يضرب الله الأمثال } مستأنفة تذييلية لما في لفظ ﴿ الأمثال ﴾ من العموم.
فهو أعم من جملة ﴿ كذلك يضرب الله الحق والباطل ﴾ لدلالتها على صنف من المثل دون جميع أصنافه فلما أعقب بمثل آخر وهو ﴿ فأما الزبد فيذهب جفاء ﴾ جيء بالتنبيه إلى الفائدة العامة من ضرب الأمثال.