وقال ابن عطية :
﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ﴾
صدر هذه الآية تنبيه على قدرة الله، وإقامة الحجة على الكفرة به، فلما فرغ ذكر ذلك جعله مثالاً للحق والباطل، والإيمان والكفر، والشك في الشرع واليقين به.
وقوله :﴿ أنزل من السماء ماء ﴾ يريد به المطر، و" الأودية " ما بين الجبال من الانخفاض والخنادق، وقوله :﴿ بقدرها ﴾ يحتمل أن يريد بما قدر لها من الماء، ويحتمل أن يريد بقدر ما تحتمله على قدر صغرها وكبرها.
وقرأ جمهور الناس :" بقدَرها " بفتح الدال، وقرأ الأشهب العقيلي :" بقدْرها " بسكون الدال.
و" الزبد " ما يحمله السيل من غثاء ونحوه وما يرمي به ضفتيه من الجباب الملتبك، ومنه قول حسان بن ثابت :
ما البحر حينَ تهبُّ الريحُ شاميةً... فيغطئلُّ ويرمي العبر بالزبد
و" الرابي " : المنتفخ الذي قد ربا، ومنه الربوة.
وقوله :﴿ ومما ﴾ خبر ابتداء، والابتداء قوله :﴿ زبد ﴾، و﴿ مثله ﴾ نعت ل ﴿ زبد ﴾.
والمعنى : ومن الأشياء التي ﴿ توقدون ﴾ عليها ابتغاء الحلي وهي الذهب والفضة، ابتغاء الاستمتاع بما في المرافق، وهي الحديد والرصاص والنحاس ونحوها من الأشياء التي ﴿ توقدون ﴾ عليها، فأخبر تعالى أن من هذه إذا أحمي عليها يكون ﴿ زبد ﴾ مماثل للزبد الذي حمله السيل، ثم ضرب تعالى ذلك مثالاً ل ﴿ الحق والباطل ﴾ أي أن الماء الذي تشربه الأرض من السيل فيقع النفع به هو " كالحق " - و﴿ الزبد ﴾ الذي يجمد وينفش ويذهب هو كالباطل، وكذلك ما يخلص من الذهب والفضة والحديد ونحوها هو كالحق، وما يذهب في الدخان هو كالباطل.


الصفحة التالية
Icon