وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً ﴾
ضرب مثلاً للحق والباطل ؛ فشبَّه الكفر بالزبد الذي يعلو الماء، فإنه يضمحلّ ويعلق بجنبات الأودية، وتدفعه الرياح ؛ فكذلك يذهب الكفر ويضمحلّ، على ما نبيّنه.
قال مجاهد :"فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا" قال : بقدر ملئها.
وقال ابن جُرَيج : بقدر صغرها وكبرها.
وقرأ الأَشْهَبْ العُقَيْلي والحسن "بِقَدْرِهَا" بسكون الدال، والمعنى واحد.
وقيل : معناها بما قدّر لها.
والأودية جمع الوادي ؛ وسمّي وادياً لخروجه وسيلانه ؛ فالوادي على هذا اسم للماء السائل.
وقال أبو علي :"فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ" توسع ؛ أي سال ماؤها فحذف ؛ قال ومعنى "بِقَدَرِهَا" بقدر مياهها ؛ لأن الأودية ما سالت بقدر أنفسها.
"فاحتمل السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً" أي طالعاً عالياً مرتفعاً فوق الماء، وتمّ الكلام ؛ قاله مجاهد.
ثم قال :﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ﴾ وهو المثل الثاني.
﴿ ابتغآء حِلْيَةٍ ﴾ أي حلية الذهب والفضة.
﴿ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ﴾ قال مجاهد : الحديد والنحاس والرصاص.
وقوله :"زَبَدٌ مِثْلُهُ" أي يعلو هذه الأشياء زبد كما يعلو السيل ؛ وإنما احتمل السيل الزبد لأن الماء خالطه تراب الأرض فصار ذلك زبداً، كذلك ما يوقد عليه في النار من الجوهر ومن الذهب والفضة مما يَنبثّ فِي الأرض من المعادن فقد خالطه التراب ؛ فإنما يوقد عليه ليذوب فيزايله تراب الأرض.
وقوله :﴿ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً ﴾ قال مجاهد : جموداً.
وقال أبو عبيدة قال أبو عمرو بن العلاء : أَجْفَأَتِ الْقِدْرُ إذا غَلَت حتى ينصبّ زَبَدُها، وإذا جَمَد في أسفلها.
والجُفاء ما أجفاه الوادي أي رمَى به.