وحكى أبو عبيدة أنه سمع رُؤْبة يقرأ "جُفَالاً" قال أبو عبيدة : يقال أَجْفَلَت القِدْرُ إذا قدفت بزبدها، وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته.
﴿ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض ﴾ قال مجاهد : هو الماء الخالص الصّافي.
وقيل : الماء وما خلص من الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص ؛ وهو أن المثَلين ضربهما الله للحقّ في ثباته، والباطل في اضمحلاله، فالباطل وإن علا في بعض الأحوال فإنه يضمحلّ كاضمحلال الزّبد والخَبَث.
وقيل : المراد مَثَلٌ ضربه الله للقرآن وما يدخل منه القلوب ؛ فَشبَّه القرآن بالمطر لعموم خيره وبقاء نفعه، وشَبَّه القلوب بالأودية، يدخل فيها من القرآن مثل ما يدخل في الأودية بحسب سعتها وضيقها.
قال ابن عباس :"أَنْزَلَ مِن السَّمَاءِ مَاءً" قال : قرآناً ؛ "فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا" قال : الأودية قلوب العباد.
قال صاحب "سوق العروس" إن صحّ هذا التفسير فالمعنى فيه أن الله سبحانه مَثّل القرآن بالماء.
ومَثّل القلوب بالأودية، ومثل المُحْكَم بالصّافي، ومثل المتشابه بالزّبد.
وقيل : الزبد مخايل النفس وغوائل الشك ترتفع من حيث ما فيها فتضطرب من سلطان تِلَعها، كما أن ماء السّيل يجري صافياً فيرفع ما يجد في الوادي باقياً، وأما حلية الذهب والفضة فمثل الأحوال السَّنية.
والأخلاق الزّكية ؛ التي بها جمال الرجال، وقوام صالح الأعمال، كما أن من الذّهب والفضّة زينة النّساء، وبهما قيمة الأشياء.
وقرأ حميد وابن محيصن ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وحفص "يُوقِدُونَ" بالياء واختاره أبو عبيد ؛ لقوله :"يَنْفَعُ النَّاس" فأخبر، ولا مخاطبة هاهنا.
الباقون بالتاء لقوله في أول الكلام :"أفاتخذتم مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ" الآية.
وقوله :"فِي النَّارِ" متعلق بمحذوف، وهو في موضع الحال، وذو الحال الهاء التي في "عَلَيْهِ" التقدير : ومما توقدون عليه ثابتاً في النار أو كائناً.