﴿ أَنزَلَ مِنَ السماء ﴾ أي من جهتها ﴿ مَاء ﴾ أي كثيراً أو نوعاً منه وهو ماءُ المطر ﴿ فَسَالَتْ ﴾ بذلك ﴿ أَوْدِيَةٌ ﴾ واقعةٌ مواقعه لا جميعُ الأودية إذ الأمطارُ لا تستوعبُ الأقطارَ وهو جمعُ وادٍ وهو مفرَجٌ بين جبال أو تلالٍ أو آكام على الشذوذ كنادٍ وأندية وناج وأنجية، قالوا : وجهُه أن فاعلا يجيء بمعنى فعيل، كناصر ونصير، وشاهد وشهيد، وعالم وعليم، وحيث جُمع فعيل على أفعلة كجريب وأجرِبة جُمع فاعلٌ أيضاً على أفعلة، فإن أريد بها ما يسيل فيها مجازاً فإسنادُ السيلانِ إليها حقيقيٌّ وإن أريد معناها الحقيقيُّ فالإسنادُ مجازيٌّ كما في جرى النهرُ، وإيثارُ التمثيل بها على الأنهار المستمرةِ الجريانِ لوضوح المماثلةِ بين شأنها وشأنِ ما مُثّل بها كما أشير إليه ﴿ بِقَدَرِهَا ﴾ أي سالت ملتبسةً بمقدارها الذي عينه الله تعالى واقتضتْه حكمتُه في نفع الناس أو بمقدارها المتفاوتِ قلةً وكثرةً بحسب تفاوتِ محالّها صِغَراً وكِبَراً لا بكونها مالئةً لها منطبقةً عليها بل بمجرد قلّتها بِصغرها المستلزِمِ لقلة مواردِ الماء وكثرتها بكِبَرها المستدعي لكثرة الموارد، فإن موردَ السيل الجاري في الوادي الصغير أقلُّ من مورد السيل الجاري في الوادي الكبير، هذا إن أريد بالأودية ما يسيل فيها، أما إن أريد بها معناها الحقيقيُّ فالمعنى سالت مياهُها بقدر تلك الأوديةِ على نحو ما عرفته آنفاً، أو يراد بضميرها مياهُها بطريق الاستخدام ويراد بقدَرها ما ذكر أولاً من المعنيين ﴿ فاحتمل السيل ﴾ الجاري في تلك الأودية أي حملَ معه ﴿ زَبَدًا ﴾ أي غُثاء ورَغوةً، وإنما وُصف ذلك بقوله تعالى ﴿ رَّابِيًا ﴾ أي عالياً منتفخاً فوقه بياناً لما أريد بالاحتمال المحتمَلِ لكون الحميلِ غيرَ طافٍ كالأشجار الثقيلة وإنما لم يُدفع ذلك الاحتمالُ بأن يقال : فاحتمل السيلُ فوقه للإيذان بأن تلك الفوقيةَ مقتضى شأنِ الزبدِ لا من جهة المحتمَل تحقيقاً


الصفحة التالية
Icon