الأول : قدمنا أن هذه الآية مثل ضربه الله للحق وأهله، والباطل وحزبه، كما ضرب الأعمى والبصير والظلمات والنور مثلاً لهما. فمثل الحق وأهله بالماء الذي يُنزله من السماء فتسيل به أودية الناس، فيحيون به وينفعهم بأنواع المنافع. وبالمعدن الذي ينتفعون به في صوغ الحلي منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفة، وأن ذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهراً، يثبت الماء في مناقعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنى والآبار. وكذلك المعدن يبقى أزمنة متطاولة. وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله وانسلاخه عن المنفعة، بزبد السيل وخبث المعدن، فإنه - وإن علا وارتفع وانتفخ - إلا أنه أخيراً يضمحل. وكذلك الشبهات والتمويهات الزائفة قد تقوى وتعظم، إلا أنها في الآخرة تبطل وتضمحل وتزول، ويبقى الحق ظاهراً لا يشوبه شيء من الشبهات ؛ لأنه لا بقاء إلا للنافع، وما تصارع الحق والباطل، إلا وفاز الحق بقرنه... !
الثاني : قوله تعالى :﴿ بِقَدَرِها ﴾ صفة ( أودية )، أو متعلق بـ ( سالت ) أو ( أنزل ). وقرأ عامة القراء بفتح الدال، وقرأ زيد بن علي والأشهب وأبو عَمْرو في رواية بسكونها.
الثالث : قوله تعالى :﴿ احْتَمَلَ ﴾ بمعنى حمل، فالمزيد بمعنى المجرد. كذا قيل. ويظهر لي : أن إيثاره عليه لزيادة في معناه، وقوة في مبناه !.
الرابع : الأودية جمع واد، وهو مفرج بين جبال أو تلال أو آكام. والإسناد إليه مجاز عقلي، كما في ( جري النهر ).
قال السمين : وإنما نكَّر الأودية وعرَّف السيل ؛ لأن المطر ينزل في إيقاع على المناوبة فيسيل في بعض أودية الأرض دون بعض. وتعريف السيل ؛ لأنه قد فهم من الفعل قبله وهو ( فسالت ) وهو لو ذكر لكان نكرة. فلما أعيد أُعيد بلفظ التعريف نحو : رأيت رجلاً فأكرمت الرجل. انتهى.


الصفحة التالية
Icon