وهكذا الحال هنا حين تدخل الملائكة على العباد المكرمين بدخول الجنة، فَهُمْ يقولون :﴿ سَلاَمٌ... ﴾ [ الرعد : ٢٤ ] وهي مرفوعة إعرابياً ؛ لأن السلام أمر ثابت مُستِقر في الجنة، وهم قالوا ذلك ؛ لأنهم يعلمون أن السلام أمر ثابت هناك ؛ لا يتغير بتغيُّر الأغيار ؛ كما في أمر الدنيا.
والسلام في الجنة لهؤلاء بسبب صبرهم، كما قال الحق سبحانه على ألسنة الملائكة :﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ... ] [ الرعد : ٢٤ ]
وجاء الصبر في صيغة الماضي، وهي صيغة صادقة ؛ فهم قد صبروا في الدنيا ؛ وانتهى زمن الصبر بانتهاء التكليف.
وهم هنا في دار جزاء ؛ ولذلك يأتي التعبير بالماضي في موقعه ؛ لأنهم قد صبروا في دار التكليف على مشقَّات التكليف ؛ صبروا على الإيذاء ؛ وعلى الأقدار التي أجراها الحقُّ سبحانه عليهم.
وهكذا يكون قول الحق سبحانه :{ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ... ] [ الرعد : ٢٤ ]
في موقعه تماماً.
وكذلك قوله الحق عمَّنْ توفّرت فيهم التسع صفات، وهم في الدنيا :{ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِمْ... ﴾ [ الرعد : ٢٢ ]
وجاء بالصبر هنا في الزمن الماضي ؛ رغم أنهم مازالوا في دار التكليف ؛ والذي جعل هذا المعنى مُتّسعاً هو مَجِىء كل ما أمر به الله بصيغة المضارع ؛ مثل قوله تعالى :﴿ الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله... ﴾ [ الرعد : ٢٠ ]
وهذه مسألة تحتاج إلى تجديد دائم ؛ وقوله :﴿... وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق ﴾ [ الرعد : ٢٠ ]
وقوله :﴿ والذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ... ﴾ [ الرعد : ٢١ ]
و﴿ وَيَخْشَوْنَ... ﴾ [ الرعد : ٢١ ]، ﴿ وَيَخَافُونَ... ﴾ [ الرعد : ٢١ ]
هكذا نرى كل تلك الأفعال تأتي في صيغة المضارع، ثم تختلف الصيغة إلى الماضي في قوله :﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ... ﴾ [ الرعد : ٢٢ ]