والقول الثاني : أن الميثاق ما وثقه المكلف على نفسه، فالحاصل : أن قوله :﴿الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله﴾ إشارة إلى ما كلف الله العبد به ابتداء.
وقوله :﴿وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق﴾ إشارة إلى ما التزمه العبد من أنواع الطاعات بحسب اختياره نفسه : كالنذر بالطاعات والخيرات.
والقول الثالث : أن المراد بالوفاء بالعهد : عهد الربوبية والعبودية، والمراد بالميثاق : المواثيق المذكورة في التوراة والإنجيل وسائر الكتب الإلهية على وجوب الإيمان بنبوة محمد ﷺ عند ظهوره.
واعلم أن الوفاء بالعهد أمر مستحسن في العقول والشرائع، قال عليه السلام :" من عاهد الله فغدر، كانت فيه خصلة من النفاق " وعنه عليه السلام :" ثلاثة أنا خصمهم يوم القيام، ومن كنت خصمه خصمته.
رجل أعطى عهداً ثم غدر، ورجل استأجر أجيراً استوفى عمله وظلمه أجره، ورجل باع حراً فاسترق الحر وأكل ثمنه " وقيل : كان بين معاوية وملك الروم عهد فأراد أن يذهب إليهم وينقض العهد فإذا رجل على فرس يقول : وفاء بالعهد لا غدر.
سمعت رسول الله ﷺ يقول :" من كان بينه وبين قوم عهد فلا ينبذن إليهم عهده ولا يحلها حتى ينقضي الأمد وينبذ إليهم على سواء " قال من هذا ؟ قالوا : عمرو بن عيينة فرجع معاوية.
القيد الثالث :﴿والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ وههنا سؤال : وهو أن الوفاء بالعهد وترك نقض الميثاق اشتمل على وجوب الإتيان بجميع المأمورات والاحتراز عن كل المنهيات فما الفائدة في ذكر هذه القيود المذكورة بعدهما ؟
والجواب من وجهين : الأول : أنه ذكر لئلا يظن ظان أن ذلك فيما بينه وبين الله تعالى فلا جرم أفرد ما بينه وبين العباد بالذكر.
والثاني : أنه تأكيد.


الصفحة التالية
Icon