وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩) ﴾
الهمزة في قوله :﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ ﴾ للإنكار على من يتوهم المماثلة بين من يعلم أنما أنزله الله سبحانه إلى رسوله ﷺ من الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة، وهو القرآن، وبين من هو أعمى لا يعلم ذلك، فإن الحال بينهما متباعد جدّاً كالتباعد الذي بين الماء والزبد، وبين الخبث والخالص من تلك الأجسام، ثم بين سبحانه أنه إنما يقف على تفاوت المنزلتين، وتباين الرتبتين أهل العقول الصحيحة، فقال :﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب ﴾.
ثم وصفهم بهذه الأوصاف المادحة، فقال :﴿ الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله ﴾ أي : بما عقدوه من العهود فيما بينهم وبين ربهم، أو فيما بينهم وبين العباد ﴿ وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق ﴾ الذي وثقوه على أنفسهم، وأكدوه بالإيمان ونحوها، وهذا تعميم بعد التخصيص، لأنه يدخل تحت الميثاق كل ما أوجبه العبد على نفسه كالنذور ونحوها، ويحتمل أن يكون الأمر بالعكس فيكون من التخصيص بعد التعميم على أن يراد بالعهد جميع عهود الله، وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده، ويدخل في ذلك الالتزامات التي يلزم بها العبد نفسه، ويراد بالميثاق : ما أخذه الله على عباده حين أخرجهم من صلب آدم في عالم الذرّ المذكور في قوله سبحانه :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ ﴾ [ الأعراف : ١٧١ ].


الصفحة التالية
Icon