وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى ﴾
هذا مَثَلٌ ضربه الله للمؤمن والكافر، ورُوي أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وأبي جهل لعنه الله.
والمراد بالعَمَى عَمَى القلب، والجاهل بالدين أعمى القلب.
﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب ﴾.
﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠) ﴾
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :﴿ الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله ﴾ هذا من صفة ذوي الألباب، أي إنما يتذكر أولو الألباب الموفون بعهد الله.
والعهد اسم للجنس ؛ أي بجميع عهود الله، وهي أوامره ونواهيه التي وصّى بها عَبيده ؛ ويدخل في هذه الألفاظ التزامُ جميع الفروض، وتجنبُ جميع المعاصي.
وقوله :﴿ وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق ﴾ يحتمل أن يريد به جنس المواثيق، أي إذا عقدوا في طاعة الله عهداً لم ينقضوه.
قال قَتَادة : تقدم الله إلى عباده في نقض الميثاق ونهى عنه في بضع وعشرين آية ؛ ويحتمل أن يشير إلى ميثاق بعينه، وهو الذي أخذه الله على عباده حين أخرجهم من صلب أبيهم آدم.
وقال القَفّال : هو ما ركب في عقولهم من دلائل التوحيد والنبوات.
الثانية : روى أبو داود وغيره " عن عوف بن مالك قال : كنا عند رسول الله ﷺ سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال :"ألا تبايعون رسول الله ﷺ " وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا : قد بايعناك ( حتى قالها ثلاثاً ؛ فبسطنا أيدينا فبايعناه، فقال قائل : يا رسول الله! إنا قد بايعناك ) فعلى ماذا نبايعك؟ قال :"أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وتُصلّوا الصلوات الخمس وتسمعوا وتُطيعوا وأسرّ كلمةً خَفِيَّةً قال لا تسألوا الناس شيئاً" " قال : ولقد كان بعض أولئك النفر يسقط سَوْطه فما يسأل أحداً أن يناوله إيّاه.