قال أبو الفرج الجوزيّ : سكوت هذا الرجل في هذا المقام على التوكل بزعمه إعانة على نفسه، وذلك لا يحلّ ؛ ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحالة ؛ كما لم يخرج رسول الله ﷺ من التوكل بإخفائه الخروجَ من مكة، واستئجاره دليلاً، واستكتامه ذلك الأمر، واستتاره في الغار، وقوله لسُرَاقة :" اخْفِ عَنّا " فالتوكل الممدوح لا يُنال بفعل محظور ؛ وسكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، وبيان ذلك أن الله تعالى قد خلق للآدمي آلة يدفع عنه بها الضرر، وآلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدّعياً للتوكل كان ذلك جهلاً بالتوكل، وردّاً لحكمة التواضع ؛ لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله تعالى، وليس من ضرورته قطع الأسباب ؛ ولو أن إنساناً جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار ؛ قاله سفيان الثّوري وغيره، لأنه قد دلّ على طريق السلامة، فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه.
وقال أبو الفرج : ولا التفات إلى قول أبي حمزة :"فجاء أسد فأخرجني" فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقا، وقد يكون لطفاً من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا ينكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما ينكر فعله الذي هو كَسْبه، وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة لله تعالى عنده، وقد أمره بحفظها.
قوله تعالى :﴿ والذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾
ظاهر في صلة الأرحام، وهو قول قَتَادة وأكثر المفسرين، وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات.
﴿ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ قيل : في قطع الرَّحم.
وقيل : في جميع المعاصي.
﴿ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ﴾.
سوء الحساب الاستقصاء فيه والمناقشة ؛ ومن نوقش الحساب عُذّب.
وقال ابن عباس وسعيد بن جُبَير : معنى.
"يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ" الإيمان بجميع الكتب والرسل كلهم.
الحسن : هو صلة محمد صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon