﴿ جنات عَدْنٍ ﴾ بدلٌ من عُقبى الدار أو مبتدأٌ خبرُه ﴿ يَدْخُلُونَهَا ﴾ والعدْنُ الإقامةُ ثم صار علماً لجنة من الجنات أي جناتٌ يقيمون فيها، وقيل : هو بُطنانُ الجنة ﴿ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ ﴾ جمعُ أبَوَيْ كل واحد منهم فكأنه قيل : من آبائهم وأمهاتهم ﴿ وأزواجهم وذرياتهم ﴾ وهو عطفٌ على المرفوع في يدخلون، وإنما ساغ ذلك للفصل بالضمير الآخر، أو مفعولٌ معه، والمعنى إنه يُلحق بهم مَنْ صلح من أهلهم وإن لم يبلُغْ مبلغَ فضلِهم تبعاً لهم تعظيماً لشأنهم، وهو دليلٌ على أنه الدرجةَ تعلو بالشفاعة وأن الموصوفَ بتلك الصفات يُقرن بعضُهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنةِ زيادةً في أُنسهم، وفي التقييد بالصلاح قطعٌ للأطماع الفارغة لمن يتمسك بمجرد حبل الأنساب ﴿ والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ ﴾ من أبواب المنازل أو من أبواب الفتوحِ والتحف قائلين :﴿ سلام عَلَيْكُم ﴾ بشارةٌ لهم بدوام السلامة ﴿ بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾ متعلق بعليكم أو بمحذوف أي هذه الكرامةُ العظمى بما صبرتم أي بسبب صبركم أو بدلُ ما احتملتم من مشاقّ الصبرِ ومتاعبِه، والمعنى لئن تعِبتم في الدنيا لقد استرحتم الساعةَ، وتخصيصُ الصبر بما ذكر من بين الصلاتِ السابقةِ لما قدّمناه من أن له دخلاً في كل منها ومزيةً زائدةً من حيث إنه ملاكُ الأمر في كل منها وأن شيئاً منها لا يعتد به إلا بأن يكون لابتغاء وجهِ الربّ تعالى وتقدس ﴿ فَنِعْمَ عقبى الدار ﴾ أي فنعم عقبي الدارِ الجنةُ، وقرىء بفتح النون والأصل نَعَم فسُكّن العين بنقل حركتها إلى النون تارة وبدونه أخرى.
وعن النبي عليه السلام أنه كان يأتي قبورَ الشهداء على رأس كلّ حولٍ فيقول :" سلامٌ عليكم بما صبرتُم فنَعِمَ عُقبى الدَّارِ " وكذا عن الخلفاء الأربعةِ رضوانُ الله عليهم أجمعين. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon