ولذلك ذكر في هذه الجمل حال فريقين في المحامد والمساوي ليظهر أن نفي التسوية بينهما في الجملة السابقة ذلك النفي المرادَ به تفضيل أحد الفريقين على الآخر هو نفي مُؤيد بالحجة، وبذلك يصير موقع هذه الجملة مفيداً تعليلاً لنفي التسوية المقصود منه تفضيل المؤمنين على المشركين، فيكون قوله :﴿ الذين يوفون ﴾ مسنداً إليه وكذلك ما عطف عليه.
وجُملة ﴿ أولئك لهم عقبى الدار ﴾ مسنداً.
واجتلاب اسم الإشارة ﴿ أولئك لهم عقبى الدار ﴾ للتنبيه على أن المشار إليهم جديرون بما بعد اسم الإشارة من أجْل الأوصاف التي قبل اسم الإشارة، كقوله تعالى :﴿ أولئك على هدى من ربهم ﴾ في أول سورة البقرة ( ٥ ).
ونظير هذه الجملة قوله تعالى :﴿ الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شرّ مكاناً وأضل سبيلا ﴾ [ سورة الفرقان : ٣٤ ] من قوله :﴿ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ﴾ [ سورة الفرقان : ٣٣ ].
وقد ظهر بهذه الجملة كلها وبموقعها تفضيل الذين يعلمون أن ما أنزل حق بما لهم من صفات الكمال الموجبة للفضل في الدنيا وحسن المصير في الآخرة وبما لأضدادهم من ضد ذلك في قوله :﴿ والذين ينقضون عهد الله ﴾ إلى قوله :﴿ ولهم سوء الدار ﴾ [ سورة الرعد : ٢٥ ].
والوفاء بالعهد : أن يحقّق المرء ما عاهد على أن يعمله.
ومعنى العهد : الوعد الموثّق بإظهار العزم على تحقيقه من يمين أو تأكيد.
ويجوز أن يكون الذين يوفون بعهد الله } نعتاً لقوله :﴿ أولوا الألباب ﴾ وتكون جملة ﴿ أولئك لهم عقبى الدار ﴾ نعتاً ثانياً.
والإتيان باسم الإشارة للغرض المذكور آنفاً.
وعهد الله مصدر مضاف لمفعوله، أي ما عاهدوا الله على فعله، أو من إضافة المصدر إلى فاعله، أي ما عهد الله به إليهم.


الصفحة التالية
Icon