وعلى كلا الوَجهين فالمراد به الإيمان الذي أخذه الله على الخلق المشار إليه بقوله :﴿ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى، وتقدم في سورة الأعراف ( ١٧٢ )، فذلك عهدهم ربهم.
وأيضاً بقوله :{ ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني ﴾
[ سورة يس : ٦٠ ٦١ ]، وذلك عهد الله لهم بأن يعبدوه ولا يعبدوا غيره، فحصل العهد باعتبار إضافته إلى مفعوله وإلى فاعله.
وذلك أمر أودعه الله في فطرة البشر فنشأ عليه أصلهم وتقلّده ذريته، واستمر اعترافهم لله بأنه خالقهم.
وذلك من آثار عهد الله.
وطرأ عليهم بعد ذلك تحريف عهدهم فأخذوا يتناسون وتشتبه الأمور على بعضهم فطرأ عليهم الإشراك لتفريطهم النظر في دلائل التوحيد، ولأنه بذلك العهد قد أودع الله في فطرة العقول السليمة دلائل الوحدانية لمن تأمل وأسلم للدليل، ولكن المشركين أعرضوا وكابروا ذلك العهد القائم في الفطرة، فلا جرم أن كان الإشراك إبطالاً للعهد ونقضاً له، ولذلك عطفت جملة ولا ينقضون الميثاق } على جملة ﴿ يوفون بعهد الله ﴾.
والتعريف في ﴿ الميثاق ﴾ يحمل على تعريف الجنس فيستغرق جميع المواثيق وبذلك يكون أعم من عهد الله فيشمل المواثيق الحاصلة بين الناس من عهود وأيمان.
وباعتبار هذا العموم حصلت مغايرة ما بينه وبين عهد الله.
وتلك هي مسوغة عطف ﴿ ولا ينقضون الميثاق ﴾ على ﴿ يوفون بعهد اللَّه ﴾ مع حصول التأكيد لمعنى الأولى بنفي ضدها، وتعريضاً بالمشركين لاتصافهم بضد ذلك الكمال، فعطفُ التأكيد باعتبار المغايرة بالعموم والخصوص.
والميثاق والعهد مترادفان.
والإيفاء ونفي النقض متحداً المعنى.
وابتدىء من الصفات بهذه الخصلة لأنها تنبىء عن الإيمان والإيمان أصل الخيرات وطريقها، ولذلك عطف على ﴿ يوفون بعهد الله ﴾ قوله :﴿ ولا ينقضون الميثاق ﴾ تحذيراً من كل ما فيه نقضه.


الصفحة التالية
Icon