وهذه الصلات صفات لأولي الألباب فعطفها من باب عطف الصفات للموصوف الواحد، وليس من عطف الأصناف.
وذلك مِثل العطف في قول الشاعر الذي أنشده الفراء في معاني القرآن :
إلى الملك القرم وابن الهمام
وليث الكتيبة في المزدحم...
فالمعنى : الذين يتصفون بمضمون كل صلة من هذه الصلات كلما عرض مقتض لاتّصافهم بها بحيث إذا وجد المقتضي ولم يتصفوا بمقتضاه كانوا غير متصفين بتلك الفضائل، فمنها ما يستلزم الاتصاف بالضد، ومنها ما لا يسْتلزم إلا التفريط في الفضل.
وأعيد اسم الموصول هذا وما عطف عليه من الأسماء الموصولة، للدلالة على أنها صلاتها خصال عظيمة تقتضي الاهتمام بذكر من اتصف بها، ولدفع توهم أن عقبى الدار لا تتحقق لهم إلا إذا جمعوا كل هذه الصفات.
فالمراد بـ ﴿ الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ﴾ ما يصدق على الفريق الذين يوفون بعهد الله.
ومناسبة عطفه أنّ وصْلَ ما أمر الله به أن يوصل أثر من آثار الوفاء بعهد الله وهو عهد الطاعة الداخل في قوله :﴿ وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ﴾ في سورة يس ( ٦١ ).
والوصل : ضم شيء لشيء.
وضده القطع.
ويطلق مجازاً على القُرب وضده الهجر.
واشتهر مجازاً أيضاً في الإحسان والإكرام ومنه قولهم، صلة الرحم، أي الإحسان لأجل الرحم، أي لأجل القرابة الآتية من الأرحام مباشرة أو بواسط، وذلك النسب الجائي من الأمهات.
وأطلقت على قرابة النسب من جانب الآباء أيضاً لأنها لا تخلو غالباً من اشتراك في الأمهات ولو بَعِدْنَ.
وما أمر الله به أن يوصل } عام في جميع الأواصر والعلائق التي أمر الله بالمودة والإحسان لأصحابها.
فمنها آصرة الإيمان، ومنها آصرة القرابة وهي صلة الرحم.
وقد اتفق المفسرون على أنها مراد الله هنا، وقد تقدم مثله عند قوله تعالى :﴿ وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ﴾ في سورة البقرة ( ٢٦، ٢٧ ).


الصفحة التالية
Icon