وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩) ﴾
والمؤمن هو مَنْ يعلم أن القرآن الحامل للمنهج هو الذي أنزله سبحانه على رسوله ؛ ولا يمكن مقارنته بالكافر وهو الموصوف هنا من الحق سبحانه :﴿ كَمَنْ هُوَ أعمى... ﴾ [ الرعد : ١٩ ]
وجاء هنا ب " علم " و " عمى " ؛ لأن الآيات الدالة على القدرة من المرئيات.
ويقول الحق سبحانه :﴿... إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب ﴾ [ الرعد : ١٩ ]
أي : أصحاب العقول القادرة على التدبُّر والتفكُّر والتمييز.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك عن أولي الألباب :
﴿ الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله... ﴾
والواحد من أولي الألباب ساعة آمن بالله ؛ فهو يعلم أنه قد تعاهد مع الله عهداً بألاَّ يعبد غيره ؛ وألاَّ يخضع لغيره ؛ وألاَّ يتقرَّب لغيره ؛ وألاَّ ينظر أو ينتظر من غيره ؛ وهذا هو العهد الأول الإيماني.
ويتفرّع من هذا العهد العقدي الأول كُلُّ عهد يُقطع سواء بالنسبة لله، أو بالنسبة لخَلْق الله ؛ لأن الناشئ من عهد الله مثله مثل عهد الله ؛ فإذا كنتَ قد آمنتَ بالله ؛ فأنت تؤمن بالمنهج الذي أنزله على رسوله ؛ وإذا أوفيتَ بالمنهج ؛ تكون قد أوفيت بالعهد الأول.
ولذلك نجد كل التكليفات المهمة البارزة القوية في حياة المؤمنين نجد الحق سبحانه يأتي بها في صيغة البناء ؛ فيما يسمى " البناء للمجهول " ؛ مثل قوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام... ﴾ [ البقرة : ١٨٣ ]
وقوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى... ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ]
وقوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ... ﴾ [ البقرة : ٢١٦ ]


الصفحة التالية
Icon