وكُلُّ التكليفات تأتي مَسْبوقة بكلمة " كُتِب " والذي كتب هو الله ؛ وسبحانه لم يُكلِّف إلا من آمن به ؛ فساعةَ إعلان إيمانك بالله ؛ هي ساعة تعاقدك مع الله على أن تُنفِّذ ما يُكلِّفك به.
وأنت حُرٌّ في أنْ تؤمن أو لا تؤمن ؛ لكنك لحظةَ إيمانك بالله تدخل إلى الالتزام بما يُكلِّفك به، وتكون قد دخلت في كتابة التعاقد الإيماني بينك وبين الله.
ولذلك قال الحق سبحانه " كُتِب " ولم يَقُلْ :" كتبْتُ " ؛ لأن العهد بينك وبين الله يقتضي أن تدخلَ أنت شريكاً فيه، وهو سبحانه لم يُكلِّف إلا مَنْ آمن به.
وسبحانه هنا يقول :﴿ الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق ﴾ [ الرعد : ٢٠ ]
أي : أن العهد الإيماني مُوثَّق بما أخذْتَه على نفسك من التزام.
ويواصل سبحانه وَصْفَ هؤلاء بقوله :
﴿ والذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله... ﴾
وأوَّل ما أمر به الله أَنْ يُوصَل هو صِلَة الرَّحم ؛ أي : أن تَصل ما يربطك بهم نَسَبٌ. والمؤمن الحقٌّ إذا سَلْسَل الأنساب ؛ فسيدخل كُلُّ المؤمنين في صِلَة الرَّحم ؛ لأن كل المؤمنين رَحِم مُتداخِل ؛ فإذا كان لك عَشْرة من المؤمنين تَصِلهم بحكم الرَّحِم ؛ وكل مؤمن يَصل عشرة مثلك، انظر إلى تداخل الدوائر وانتظامها ؛ ستجد أن كل المؤمنين يدخلون فيها.
ولذلك نجد الحق سبحانه يقول في الحديث القدسي :" أنا الرحمن ؛ خلقت الرحم، واشتققت لها اسماً من اسمي ؛ فمن وصلها وصلته ؛ ومن قطعها قطعته ".
وقد رَويْتُ من قَبْل قصةً عن معاوية رضي الله عنه ؛ فقد جاء حاجبه ليعلن له أن رجلاً بالباب يقول : إنه أخوك يا أمير المؤمنين.


الصفحة التالية
Icon