ومَنْ يصبر لوجه الله إنما يعلم أن لله حكمة أعلى من الموضوع الذي صبر عليه ؛ ولو خُيِّر بين ما كان يجب أن يقع وبين ما وقع ؛ لاختار الذي وقع.
والذي يصبر لوجه الله إنما ينظر الحكمة في مَوْرد القضاء الذي وقع عليه، ويقول : أحمدُكَ ربي على كل قضائك وجميل قَدَرتك ؛ حَمْدَ الرضى بحكمك لليقين بحكمتك.
فمَنْ يصبر على الفاقة ؛ ويقول لنفسك :" اصبري إلى أن يفرجها الله " ولا يسأل أحداً ؛ سيجد الفرج قد أتى له من الله.
انظر إلى الشاعر وهو يقول :

إذَا رُمْتَ أنْ تستخرِجَ المالَ مُنْفقاً عَلى شَهَواتِ النفْسِ في زَمَنِ العُسْرِ
فَسَلْ نفسَكَ الإنفاقَ مِنْ كَنزِ صَبْرِها عليْكَ وإنذاراً إلى سَاعةِ اليُسْرِ
فَإنْ فعلْتَ كنتَ الغنيَّ وإنْ أبيْتَ فَكلُّ مُنوَّع بعدَها وَاسِعُ العُذْرِ
أي : إنْ راودتْك نفسك لتقترض مالاً لتنفقه على شهوات النفس، ورفضتَ تلك المُرَاودة، وطلبت من نفسك أنْ تعطيك من كَنْز الصبر الذي تملكه ؛ وإنْ فعلتَ ذلك كنت الغنيَّ، لأنك قدرتَ على نفسك.
والذي يلفت إلى الحَدَث وحده يتعب ؛ والذي يلتفت إلى الحدث مقروناً بواقعه من ربه ؛ ويقول :" لابد أن هناك حكمة من الله وراء ذلك " فهو الذي يصبر ابتغاء وجهه الله. ويريد الله أنْ يخُصَّ مَنْ يصبر ابتغاء وجهه بمنزلة عالية ؛ لأنه يعلم أن الله له حكمة فيما يُجريه من أقدار.
ويتابع سبحانه وَصْف أُولي الألباب :﴿ وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً... ﴾ [ الرعد : ٢٢ ]
وسبق أن قلنا في الصلاة أقوالاً كثيرة ؛ وأن مَنْ يؤديها على مطلوبها ؛ فهو مَنْ يعلم أنها جَلْوة بين العبد وربه، ويكون العبد في ضيافة ربه.
وحين تُعْرَض الصَّنْعة على صانعها خمس مرات في اليوم فلابد أنْ تنال الصَّنْعة رعاية وعناية مَنْ صمَّمها وخلقها، وكما أن الله غَيْبٌ عنك ؛ فكذلك أسباب شفائك من الكروب يكون غيباً عنك.


الصفحة التالية
Icon