" وها هو رسول الله ﷺ يسأل أبا بكر فيما ناله من غنائم ويقول له : ماذا صنعتَ بها يا أبا بكر؟ فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه : تصدَّقْتُ بها كلها. فيقول الرسول : وماذا أبقيت؟ يقول أبو بكر : أبقيت الله ورسوله.
وسأل رسول الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وماذا فعلتَ يا عمر؟ فيقول ابن الخطاب : تصدقْتُ بنصفها ولله عندي نصفها.
وكأنه يقول للرسول :" إن كان هناك مصرف تريدني أن أصرف فيه النصف الباقي لله عندي ؛ فلسوف أفعل ".
وهكذا رأينا مَنْ يصرف مِمَّا رزقه الله ؛ بكل ما رزقه سبحانه، وهو أبو بكر الصديق ؛ ونجد مَنْ ينفق مِمَّا رزقه الله ومستعد لأن ينفق الباقي إن رأى رسول الله مصرفاً يتطلب الإنفاق.
ونجد من توجيهات الإسلام أن مَنْ يراعى يتيماً ؛ فليستعفف فلا يأخذ شيئاً من مال اليتيم إنْ كان الوليُّ على اليتيم له مال ؛ وإن كان الولي فقيراً فليأكل بالمعروف.
ولقائل أنْ يسأل : ولماذا نأتي بالفقير لتكون له ولاية على مال اليتيم؟
وأقول : كي لا يحرم المجتمع من خبرة قادرة على الرعاية ؛ فيأتي الفقير صاحب الخبرة ؛ وليأْكل بالمعروف.
ونلحظ أن الحق سبحانه قال :﴿ وارزقوهم فِيهَا... ﴾ [ النساء : ٥ ]
ولم يَقُلْ " ارزقوهم منها " أي : خُذوا الرزق من المَطْمور فيها يملكون بالحركة في هذا المال.
وهكذا نفهم كيف يُنفق الإنسان المؤمن مِمَّا رزقه الله ؛ فهناك مَنْ ينفق كل ما عنده ؛ لأنه واثق من رصيده عند ربه، وهناك مَنْ ينفق البعض مما رزقه الله ؛ وقد تأخذه الأريحية والكرم فيعطي كل مَنْ يسأله، وقد ينفق كل ما عنده ؛ مثل مَنْ يجلس في جُرْن القمح ويريد أن يُزكِّي يوم الحصاد ؛ فيعطي كل مَنْ يسأله ؛ إلى أن يفرغ ما عنده.
ولذلك نجد الحق سبحانه يقول :﴿... وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين ﴾ [ الأنعام : ١٤١ ]


الصفحة التالية
Icon