وهنا نجد الحق سبحانه يصف هؤلاء المُنْفِقين في سبيله :﴿ وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً... ﴾ [ الرعد : ٢٢ ]
والسر هو الصَّدقة المندوبة، أما الإنفاق في العلانية ؛ فهي الصَّدقة الواضحة ؛ لأن الناس قد تراك غنياً أو يُشَاع عنك ذلك، ولا يرونك وأنت تُخرِج الزكاة، فتنالك ألسنتهم بالسوء ؛ وحين يَرَوْنكَ وأنت تنفق وتتصدَّق ؛ فهم يعرفون أنك تؤدي حقَّ الله، وتشجعهم أنت بأن يُنفِقوا مما رزقهم الله.
وصدقة السِّر وصدقة العَلَن أمرها متروك لتقدير الإنسان ؛ فهناك مَنْ يعطي الصدقة للدولة لتتصرف فيها هي ؛ ويعطي من بعد ذلك للفقراء سراً ؛ وهذا إنفاق في العَلَن وفي السر ؛ وجاء الحق بالسر والعلانية ؛ لأنه لا يريد أنْ يحجب الخير عن أيِّ أحد بأي سبب.
وقد يقول قائل : إن فلاناً يُخرِج الصدقة رياءً.
وأقول لِمَنْ يتفوَّه بمثل هذا القول : أَلَمْ يَسْتفِد الفقير من الصدقة؟ إنه يستفيد، ولا أحدَ يدخل في النوايا.
ويتابع سبحانه :﴿ وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة... ﴾ [ الرعد : ٢٢ ]
والدّرْء : هو الدَّفْع بشدة ؛ أي : يدفعون بالحسنة السيئة بشدة. وأول حسنة إيمانية هي أنْ تؤمن بالله ؛ وبذلك تدفع سيئة الشرك، أو دفعتَ السيئة. أي : دفعتَ الذنب الذي ارتكبته وذلك بالتوبة عنه ؛ لأن التوبة حسنة، وحين ترى مُنْكراً، وهو سيئة، فأنت تدفعه بحسنة النُّصْح.
أو : أن يكون معنى :﴿ وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة... ﴾ [ الرعد : ٢٢ ]
هو إنْ فعلتَ سيئة فأنت تتبعها بحسنة، والكمال المطلق لله وحده ولرسوله ؛ لنفترض أن واحداً لديه سيئة مُلِحّة في ناحية من النواحي ؛ فالحقُّ سبحانه يأمره أن يدفع السيئة بأن يفعل بجانبها حسنة.
يقول سبحانه :﴿ إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات... ﴾ [ هود : ١١٤ ]