وها هو رسول الله ﷺ يقول لمعاذ رضي الله عنه :" اتق الله أينما تكون، وأتبع السيئة حسنة تَمْحُها، وخالق الناس بخلق حسن ".
ولذلك، فأنت تجد أغلب أعمال الخير في المجتمع لا تصدر من أيِّ رجل رقيق لا يرتكب السيئات ؛ فلا سيئةَ تطارده كي يفعل الحسنة التي يرجو أنْ تمحو السيئة.
فالسيئة ساعةَ تُلهِب ضمير مَن ارتكبها ؛ ولا يستطيع أن يدفعها ؛ لأنه ارتكبها ؛ فهو يقول لنفسه " فَلأبنِ مدرسة " أو " أبني مسجداً " أو " أقيم مستشفى " أو " أتصدق على الفقراء ".
وهكذا نجد أن أغلب حركات الإحسان قد تكون من أصحاب السيئات، فلا أحدَ بقادر على أنْ يأخذ شيئاً من وراء الله ؛ فمَنْ يرتكب سيئة لابُدَّ أنْ تُلِحّ عليه بأحاسيس الذَّنْب ؛ لتجده مدفوعاً من بعد ذلك إلى فعل الحسنات ؛ لعلَّ الحسنات تُعوِّض السيئات.
ومن دَرْء الحسنة بالسيئة أيضاً ؛ أنه إذا أساء إليك إنسان فأنت تَكْظِم غيظك وتعفو ؛ وبذلك فأنت تحسن إليه.
وتجد الحق سبحانه يقول :﴿... ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [ فصلت : ٣٤ ]
وإذا أنت جرَّبْتَها في حياتك ؛ وأخلصْتَ المودة لمن دخل في العداوة معك ؛ ستجد أنه يستجيب لتلك المودة ويصبح صديقاً حميماً لك.
ولكن هناك مَنْ يقول : جرَّبْتُ ذلك ولم تنفع تلك المسألة.
وأقول لمن يقول ذلك : لقد ظننتَ أنك قد دفعتَ بالتي هي أحسن، لكنك في واقع الحال كنت تتربص بما يحدث منك تجاه مَنْ دخلتَ معه في عداوة، ولم تُخلص في الدفع بالتي هي أحسن، وأخذت تُجرِّب اختبار قول الله ؛ فذهبتْ منك طاقة الإخلاص فيما تفعل ؛ وظل الآخر العدو على عداوته.
لكنك لو دفعتَ بالتي هي احسن ستجد أن الآية القرآنية فيها كل الصِّدْق ؛ لأن الله لا يقول قضية قرآنية ثم تأتي ظاهرة كونية تُكذِّب القرآن.
ولذلك يقول الشاعر :