أما النوع الثاني فهم الملائكة المُدبِّرات أمراً، ونعلم أن الحق سبحانه وتعالى قد استدعى آدم إلى الوجود هو وذريته، وأعدَّ له كل شيء في الوجود قبل أن يجئ ؛ الأرض مخلوقة والسماء مرفوعة ؛ والجبال الرَّواسي بما فيها من قُوتٍ ؛ والشمس والقمر والنجوم والمياه والسحاب.
والملائكة المُدبِّرات هم مَنْ لهم علاقة بالإنسان الخليفة، وهم مَنْ قال لهم الحق سبحانه :﴿ اسجدوا لأَدَمَ... ﴾ [ البقرة : ٣٤ ]
وهم الذين يتولَّوْن أمر الإنسان تنفيذاً لأوامر الحق سبحانه لهم، ومنهم الحفظة الذين قال فيهم الحق سبحانه :﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله... ﴾ [ الرعد : ١١ ]
أي : أن الأمر صادر من الله سبحانه، وهم بَعْد أنْ يفرغوا من مهمتهم كحفظة من رقيب وعتيد على كل إنسان، ولن يوجد ما يكتبونه من بعد الحساب وتقرير الجزاء ؛ وهنا سيدخل هؤلاء الملائكة على أهل الجنة ليحملوا ألطاف الله والهدايا ؛ فهم مَنُوط بهم الإنسان الخليفة.
وسبحانه حين يُورِد كلمة في القرآن بموقعها البياني الإعرابي ؛ فهي تُؤدِّي المعنى الذي أراده سبحانه. والمَثَل هو كلمة " سلام " ؛ فضيف إبراهيم من الملائكة :﴿ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ... ﴾ [ هود : ٦٩ ]
وكان القياس يقتضي أن يقول هو " سلاماً "، ولكنها قضية إيمانية، لذلك قال :﴿ سَلاَمٌ... ﴾ [ هود : ٦٩ ]
فالسلام هنا يَأْتِ منصوباً ؛ بل جاء مرفوعاً ؛ لأن السلام للملائكة أمرٌ ثابت لهم ؛ وبذلك حَيَّاهم إبراهيم بتحية هي احسن من التحية التي حَيَّوه بها.
فنحن نُسلِّم سلاماً ؛ وهو يعني أن نتمنى حدوث الفعل، ولكن إبراهيم عليه السلام فَطِنَ إلى أن السلام أمرٌ ثابت لهم.