ولما كان المراد التعميم في الزمان، نزع الجار، وأتى ب " ما " لأنها أعم من " الذي " وأشد إبهاماً، فهي الخفيّ معنى، فناسب سياق الوحي الذي هو غيب، ومعناه غامض - إلا لبعض الأفراد - في الأغبياء بخلاف آية البقرة الأولى فإنها في الملة الإبراهيمية المدركة بنور العقل الناشىء عن نظر المحسوسات فقال :﴿بعدما جاءك﴾ ولما كان قد أنعم عليه ـ ﷺ ـ بأشياء غير العلم، بين المراد بقوله :﴿من العلم﴾ أي بالوحي بأن ذلك الاتباع لا يردهم سواء كان ذلك الاتباع في أصول الشريعة أو فروعها خفية كانت أو جلية.
ولما كان المشروط استغراق جميع زمان البعد باتباع الأهواء، قال :﴿ما لك﴾ حينئذ ﴿من الله﴾ أي الملك الأعلى وأعرق في النفي فقال :﴿من ولي﴾ أي ناصر يتولى من نصرك وجميع أمرك ما يتولاه القريب مع قريبه.
ولما كان مدلول " ما " أعم من مدلول " الذي " لشمولها الظاهر والخفي، وكان من خالف الخفي أعذر ممن خالف الظاهر، نفى الأخص من النصير فقال :﴿ولا واق﴾ أي يقيك بنفسه فيجعلها دون نفسك، وقد يوجد من الأنصار من لا يسمع بذلك، وهذا بعث للأمة وتهييج على الثبات في الدين والتصلب فيه، والهوى - مقصوراً : ميل الطباع إلى الشيء بالشهوة، والعلم : تبين الشيء على ما هو به. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ١٥٧ ـ ١٦٠﴾


الصفحة التالية