فصل
قال الفخر :
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ﴾
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه تعالى لما ذكر عذاب الكفار في الدنيا والآخرة، أتبعه بذكر ثواب المتقين وفي قوله :﴿مثل الجنة﴾ أقوال : الأول : قال سيبويه :﴿مثل الجنة﴾ مبتدأ وخبره محذوف والتقدير : فيما قصصنا عليكم مثل الجنة.
والثاني : قال الزجاج : مثل الجنة جنة من صفتها كذا وكذا.
والثالث : مثل الجنة مبتدأ وخبره تجري من تحتها الأنهار، كما تقول صفة زيد اسم.
والرابع : الخبر هو قوله :﴿أكلها دائم﴾ لأنه الخارج عن العادة كأنه قال :﴿مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار﴾ كما تعلمون من حال جناتكم إلا أن هذه أكلها دائم.
المسألة الثانية :
اعلم أنه تعالى وصف الجنة بصفات ثلاث : أولها : تجري من تحتها الأنهار.
وثانيها : أن أكلها دائم.
والمعنى : أن جنات الدنيا لا يدوم ورقها وثمرها ومنافعها.
أما جنات الآخرة فثمارها دائمة غير منقطعة.
وثالثها : أن ظلها دائم أيضاً، والمراد أنه ليس هناك حر ولا برد ولا شمس ولا قمر ولا ظلمة ونظيره قوله تعالى :﴿لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً﴾ [ الإنسان : ١٣ ] ثم إنه تعالى لما وصف الجنة بهذه الصفات الثلاثة بين أن ذلك عقبى الذين اتقوا يعني عاقبة أهل التقوى هي الجنة، وعاقبة الكافرين النار.
وحاصل الكلام من هذه الآية أن ثواب المتقين منافع خالصة عن الشوائب موصوفة بصفة الدوام.
واعلم أن قوله :﴿أكلها دائم﴾ فيه مسائل ثلاث :
المسألة الأولى :
أنه يدل على أن أكل الجنة لا تفنى كما يحكى عن جهم وأتباعه.
المسألة الثانية :
أنه يدل على أن حركات أهل الجنة لا تنتهي إلى سكون دائم، كما يقوله أبو الهذيل وأتباعه.
المسألة الثالثة :