قال القاضي : هذه الآية تدل على أن الجنة لم تخلق بعد، لأنها لو كانت مخلوقة لوجب أن تفنى وأن ينقطع أكلها لقوله تعالى :﴿كل من عليها فان﴾ [ الرحمن : ٢٦ ].
و﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ [ القصص : ٨٨ ] لكن لا ينقطع أكلها لقوله تعالى :﴿أكلها دائم﴾ فوجب أن لا تكون الجنة مخلوقة.
ثم قال : فلا ننكر أن يحصل الآن في السموات جنات كثيرة يتمتع بها الملائكة ومن يعد حياً من الأنبياء والشهداء وغيرهم على ما روي في ذلك، إلا أن الذي نذهب إليه أن جنة الخلد خاصة إنما تخلق بعد الإعادة.
والجواب : أن دليلهم مركب من آيتين : أحدهما : قوله :﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ والأخرى قوله :﴿أكلها دائم وظلها﴾ فإذا أدخلنا التخصيص في أحد هذين العمومين سقط دليلهم فنحن نخصص أحد هذين العمومين بالدلائل الدالة على أن الجنة مخلوقة، وهو قوله تعالى :﴿وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين﴾ [ آل عمران : ١٣٣ ].
﴿ وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (٣٦) ﴾
اعلم أن في المراد بالكتاب قولين : الأول : أنه القرآن والمراد أن أهل القرآن يفرحون بما أنزل على محمد من أنواع التوحيد والعدل والنبوة والبعث والأحكام والقصص، ومن الأحزاب الجماعات من اليهود والنصارى وسائر الكفار من ينكر بعضه وهو قول الحسن وقتادة.
فإن قيل : الأحزاب ينكرون كل القرآن.
قلنا : الأحزاب لا ينكرون كل ما في القرآن، لأنه ورد فيه إثبات الله تعالى وإثبات علمه وقدرته وحكمته وأقاصيص الأنبياء، والأحزاب ما كانوا ينكرون كل هذه الأشياء.


الصفحة التالية
Icon